في فترات ماضية تسللت الى افراد المجتمع الاسلامي الكبير (الأمة) عبارة “هذه مُشكلتُك”، ولم يتفاجأ أحد، او يظهر استغرابه واستفهامه من الدلالة والغاية وراء هذه العبارة، بل العكس! استراحت العبارة في النفوس والقلوب لتطابقها مع توجه البعض نحو الانعزالية والأنانية في فترة ماضية (قبل حوالي عشرين سنة) حكمتها متغيرات اقتصادية وسياسية هائلة في المنطقة، حتى باتت حديث الشارع، وحديث الموظف مع المواطن، وحديث المعلم مع التلميذ، بل وصل الى الأمر الى داخل الأسرة، بينما حكم العقل والمنطق؛ إن منشأ معظم المشاكل لها سمة مشتركة، فما يحدث لهذا، سيحدث لذاك، ولو بعد حين، وربما تكون المشكلة مشتركة في الحال، كأن يكون الموظف والمراجع والطبيب والمريض وغيرهما يواجهون خطراً مثل؛ فايروس كورونا، او يتعرضون لكارثة طبيعية، او لعدوان خارجي.
وصل الحال بشعب البحرين الساكن في جزيرة صغيرة وادعة على ضفاف الخليج باتجاه الشواطئ السعودية، أن يغلب على سكانه؛ الآسيويين من عمال وموظفين ومعلمين، مع حرمان متعمد من الجهات المعنية لعشرات الخريجين والكفاءات من فرص العمل، فالاجانب يسرحون ويمرحون ويتنعمون بثروة هذه الجزيرة
وإن صدق هذا على الافراد، فانه يصدق على الجماعات والشعوب ايضاً، وهو الاكثر خطورة في النتائج والآثار، ومن أشد وأقسى ما تواجهه الشعوب على مر التاريخ؛ ظلم وطغيان الحاكم، ولا أخال شعباً في العالم الاسلامي ـ إلا ما ندر- لم يكتوي بنار الديكتاتورية والظلم، والاضطهاد قبل أن تتغير الاوضاع لديهم، فيتحولوا الى واحة الحرية والعمل والأمان، دول صناعية وديمقراطية مستقرة،ولو بشكل نسبي، إلا شعب البحرين يتعرض بشكل مريع وغريب لاضطهاد رسمي وعلني من قبل النظام الحاكم عليه.
واذا نحينا الحديث عن التركيبة السكانية واستحقاق الاكثرية الشيعية، فان العدل والانصاف يقضي بالمطالبة بالمساواة، وعدم التمييز في فرص العمل والتعليم، وغيرها، الى جانب حقوق اساسية موجودة لدى معظم الشعوب الاسلامية، منها؛ حرية العقيدة والرأي، حتى وصل الحال بشعب البحرين الساكن في جزيرة صغيرة وادعة على ضفاف الخليج باتجاه الشواطئ السعودية، أن يغلب على سكانه؛ الآسيويين من عمال وموظفين ومعلمين، مع حرمان متعمد من الجهات المعنية لعشرات الخريجين والكفاءات من فرص العمل، فالاجانب يسرحون ويمرحون ويتنعمون بثروة هذه الجزيرة، بينما الشباب يتلوعون في قعر السجون، يتعرضون للتعذيب النفسي والجسدي، وحتى الجوع، وأخيراً وليس آخراً؛ الاصابة بفايروس كورونا القاتل وسط صمت مميت من المؤسسات الصحية الدولية، فضلاً عن المؤسسات الحقوقية المعنية بحقوق الانسان.
إن تعبئة الرأي العام لقضية حق مضيع كما هو الحال في البحرين، من شأنها الضغط على الحكومات لإعادة النظر في المواقف والقرارات إزاء نظام حكم يسيئ جهاراً نهاراً الى شعبه، فكيف يُطمئن الى نظام حكم من هذا النمط احترام مصالح وحقوق الغير؟ على الاقل لتقليل حجم التعاون الاقتصادي والتجاري والدبلوماسي، اذا كانت حكوماتنا ملتزمة بمبدأ “عدم التدخل بالشؤون الداخلية”! علماً أن هذا المبدأ يصلح فقط للانظمة الديكتاتورية المتماثلة في نمط الحكم، وليس للشعوب وقضاياها العادلة.
إن تعبئة الرأي العام لقضية حق مضيع كما هو الحال في البحرين، من شأنها الضغط على الحكومات لإعادة النظر في المواقف والقرارات إزاء نظام حكم يسيئ جهاراً نهاراً الى شعبه
اتذكر جيداً أيام الانتفاضة الشعبانية عام 1991 عندما انتفض الشعب العراقي ضد حكم صدام، و صدرت المواقف المتخاذلة من المؤسسات الاعلامية والثقافية العربية، وكيف كتب طلال سلمان في افتتاحية صحيفته “السفير”، والتي انمحت من الخارطة الاعلامية الى الابد، انه “كان من المفترض على العراقيين مواجهة الجيش الاميركي على أراضيه قبل التفكير بإسقاط نظام الحكم في بغداد”، في إشارة قومية واضحة الى الأولوية للخارج وليس للداخل مهما كانت الجرائم والاسقاطات ومنها قرار غزو الكويت، ثم التعنّت بالبقاء فيها لحين وصول آخر جندي اميركي ضمن قوة من حوالي 150الف جندي ومعدات عسكرية لم يعهدها الجيش الاميركي خارج حدوده منذ الحرب العالمية الثانية؟
ثم كيف كان رد فعل “المعارضة العراقية” آنذاك على هذا الموقف باللوم والمؤاخذة على هذا الخذلان الذي بارك لمطاردة الثوار بالمدرعات، وللمقابر الجماعية، ولم يكن الشعب العراقي آنذاك، وتحديداً سكان الوسط والجنوب، أي فكرة عن الحكم والسياسة، إنما كان يفكر باستعادة كرامته المهدورة امام العالم، والسؤال لصدام عن سبب غزوه، ثم سبب انسحابه (الجنود من سكان الوسط والجنوب) تحت القصف الاميركي؟
نفس هؤلاء الناقمين على الاعلام العربي، يتسنّمون اليوم مراكز الحكم في العراق ويسمعون باخبار القمع والاضطهاد في البحرين، ثم يرسلون الوفود في ميادين مختلفة في اطار علاقات التعاون والصداقة بين “البلدين الشقيقين”! فهل تعد الحكومة العراقية، و مؤسسات الدولة بشكل عام في بغداد، شعب البحرين من الاشقاء ايضاً؟! أم الاشقاء هم بضعة أنفار ممن يحكمون الجزيرة في العاصمة المنامة؟!
المشاكل والازمات سنّة إلهية لمن يخرج عن المعادلة: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى}، والقرآن الكريم يذكرنا ببني اسرائيل في عشرات الآيات، وكذا أقوام شيّدوا وابدعوا وسادوا بحضاراتهم، ثم تسافلوا وغابوا عن قافلة الحياة بشكل مريع ومخزي، وليس الأمر كما تصور أحد الساسة البارزين في بغداد في تعليقه على احداث “الربيع العربي” بأن العراق قد اجتاز مرحلة التغيير من زمان…”! وإن لم يصدق أن مشكلته هي نفس مشكلة غيره، ما عليه إلا ان ينظر الى حال الامير السعودي والحاكم الفعلي في الرياض؛ محمد بن سلمان، كيف تعرض للاضطهاد والابتزاز بشكل غير مسبوق من قبل ترامب، حتى اضطر لاسكاته بعشرات المليارات من أموال الشعب السعودي، من طائرات حربية، ومعدات عسكرية بدعوى الحماية من عدو وهمي.