لا يوجد افضل من قانون الثواب والعقاب دافعا الى الخير، ومانعا من الشر في المجتمعات البشرية، فما من أمة تطبق هذا القانون إلا وستنعم بالتقدم والازدهار والنمو وتغلب فيها عوامل الخير على عوامل الشر، وما من أمة تهمله إلا ويتغلب فيها أهل الشر على أهل الخير.
إن العمل الصالح لابد أن يُثاب صاحبه عليه، ولا يُكتفى معه بالتشجيع فقط، كما وأن عمل الشر لا بد وأن يعاقب صاحبه عليه، ولا تكفي إدانته فقط.
فالثواب والعقاب هو قانون الكون وهما من سنن الله الكبرى، أي أن الله عز وجل حينما أراد أن يجري العدالة في الكون أجراها بوسيلة الثواب والعقاب، فجعل لكل فعل رد فعل، يخالفه في الاتجاه، ويتناسب معه في النوعية، إن خيراً فخير وإن شراً فشر، {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَه * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَه}، و {وَكُلَّ إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَاباً يَلْقَاهُ مَنشُوراً}.
فوسيلة تطبيق العدالة في هذه الدنيا، وفي الآخرة هي قانون العقاب والثواب، وهي وسيلة لتطبيق العدالة بين البشر، إذ كيف يمكن أن يسود العدل بين ابناء الأمة من دون وجود قانون الثواب والعقاب؟
قد تسأل: من يُثيب ومن يُعاقب؟
المسألة ترتبط بالنظام الاجتماعي القائم، الذي يختاره الناس جميعا، أو يوافق عليه أغلبيتهم.
لا تمييز في قانون الثواب والعقاب بين فرد وآخر، وإذا وقع التمييز يكون قد وقع الظلم في أهم وسائل تطبيق العدل
حينما توضع الاسس السليمة، ويوافق عليها الجميع على دستور محدد، وقواعد صحيحة للسلوك حينئذ لا بد من أن يأتي قانون الثواب والعقاب الذي يتم تطبيقه عبر قضاء مستقل لا تشوبه شائبة، ولا بد أن يشمل هذا القانون الصغير والكبير، والقوي و الضعيف، وإلا بطل كونه ثوابا وعقابا.
فلا تمييز في قانون الثواب والعقاب بين فرد وآخر، وإذا وقع التمييز يكون قد وقع الظلم في أهم وسائل تطبيق العدل، والسلاح الذي تمتلكه العدالة يكون قد اعتلاه الصدأ، فالعدالة بلا انياب سوف تداس بالاقدام، وتكون مجرد لوحة جميلة يرفعها البعض لكي يخالفها.
لقد جيء الى رسول الله، صلى صلى الله عليه وآله، بامرأة لها شرف في قومها قد سرقت، فأمر بقطعها، فاجتمع الى رسول الله ناس من قريش، وقالوا: يا رسول الله تقطع امرأة شريفة مثل فلانة في خطر يسير؟ّ!
فقال، صلى الله عليه وآله: “نعم؛ إنما هلك من كان قبلكم بمثل هذا، كانوا يقيمون الحدود على ضعفائهم، ويتركون اقوياءهم واشرافهم فهلكوا”.
فسبب هلاك الأمم هو وجود شرخ في قانون الثواب والعقاب، إما بعدم وجوده أساسا، حيث تكون القوة هي البديلة عن العدالة، وتسود حينئذ شريعة الغاب، فالقوي يأكل الضعيف والضعيف يتحول الى لقمة صائغة لدى القوي، أو حينما لا يُطبق قانون الثواب والعقاب بشكل متساوٍ بالنسبة الى الجميع فيعاقب الضعيف لضعفه، ويترك القوي لقوته.