الصحة الجسدية و النفسية هما من اهم ضروريات الحياة، وفي كثير من الاحيان يكون الاضطراب او المرض في أحداهما او كلاهما سبباً في حرمان الانسان من العطاء والانتاجية. حتى ان الانسان الذي يعاني من مرض جسدي او نفسي، و إن كان في كثير من الاحيان غير مذنب في مرضه، لكنه في جميع الاحوال سيكون محروماً من نعمة الصحة، بل ومحروماً على قدر مرضه من أداء الكثير مما يحب الانسان بطبعه ان يفعله لنفسه او لغيره.
وبعضنا يعاني من امراض جسدية او نفسية نتيجة مفاهيم خاطئة شاعت في المجتمع تطبّع الناس عليها فصارت سبب في حرمان الكثيرين من نعمة الصحة ونعم اخرى ذهبت مع الصحة.
ولا فرق؛ إن سار على هذه المفاهيم بعض الناس او جميعهم، فالضرر واقعٌ بلا مراعاة لعدد من فعل ذلك.
وعلى الانسان العاقل ان يتفكّر في هذه المفاهيم، ويسعى جهده لعلاجها وفق منهج صحيح، لا أن يُصلح الضرر بضررٍ آخر مثله او أشد منه.
في هذا المقال ومقالات تتبع، سنناقش سويةً بعض هذه المفاهيم.
و لان الاختصار سيد عصرنا الحالي، سأضطر لترك الكثير الكثير للقارئ الكريم ليتفكر به ويبحث ليعلم اكثر.
ومن الضروريات ان يبحث الانسان عن مصدر المعلومات، ولا يطمئن اطمئنان مفرط في كل ما سمع او قرأ.
ونتيجة الفضاء الإلكتروني الحر، صار للجميع حرية الحديث بل و ادعاء التخصص بلا حسيب ولا رقيب، مما وضع مسؤولية أكبر على القارئ او المستمع ان يتفكر في ما يقرأ او يسمع، وعلى اهل الاختصاص ان يبدوا آراءهم – بعيدا عن القذف والتخوين-.
-
“الأجل” وعلاقته بمعالجة المرض
من المفاهيم التي تشيع عند الكثير منا، ان لا أثر للوقاية، واتباع النهج الصحيح في صحة الانسان وحياته وموته، “فكل واحد مِنّا يموت في ساعته”.
هذا المفهوم يتعارض مع الدين قبل الطب، فالدين الاسلامي واضح في الكتاب المجيد، وما نقل عن الهداة الميامين من أهل بيت رسول الله، صلى الله عليهم أجمعين، أن على الانسان الالتزام في ما يقيه من الامراض والاضرار البدنية والنفسية، حتى صار لما نُقل عنهم أجزاءً ومجلدات ما لا يخفى على مُطّلع.
ولو لم يكن لهذه النصائح الاثر في ما ينفع أو يضر، لصار ما ذكروه لغواً وعبثا، حاشاهم.
وقد يكون الامر في بعضنا ان يعتقد ان الالتزام في ما قالوه يكفي الناس جميعاً عن الطب والاطباء، وان ما ذُكر عنهم هو كاف عن أهل الاختصاص من الاطباء، وهذا الامر كسابقه يخالف توصياتهم في الرجوع الى الاطباء في علاج الأمراض صراحة او ضمناً، وسأذكر بعض ما ذكروا صلوات الله عليهم.
فعن الامام أمير المؤمنين علي بن ابي طالب، صلوات الله عليه، في من يعرض عن الاطباء انه قال : “من كتم الأطباء مرضه خان بدنه” (غُرر الحكم ٨٥٤٥).
وفي وصية لأمير المؤمنين، صلوات الله عليه: “من تطبب فليتق الله ولينصح وليجتهد”. (دعائم الاسلام ١٤٤/٢).
ولو لم يكن هنالك حاجة لأهل هذا الاختصاص لما دعت الحاجة الى ان يبذل بعض الناس حياتهم و وقتهم في طلب هذا العلم والاجتهاد قدر ما يستطيعوا في تحصيله.
وقد يُقال الكثير في أخطاء الاطباء انفسهم، والامر واضح لاهل العقل، فأهل الطب ليسوا معصومين من الخطأ، بل ان وصية امير المؤمنين بليغة في نصحهم، فقوله، عليه السلام، “من تطبّب فليتق الله ولينصح وليجتهد”، فالتقوى اول نصيحة، ومراعاتها تعصم الانسان من ان يكون ظالم لنفسه ولغيره، وخَتَمها بالاجتهاد، وضرورة اجتهاد طلبة العلم في تحصيل المعرفة قدر ما يستطيعون وان يتفكروا به عسى ان يفلحوا.
وتكليف الناس العقلي ان يبحثوا عن من هو الأعلم في تخصصه ويسيروا على ما ينصحهم به.
و {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا}. (سورة البقرة، الآية:٢٨٦)
وفي مقالات قادمة، ساذكر مفاهيم اخرى شائعة في مجتمعنا، ومقترحات لحلول.