{وَقِيلَ لِلنَّاسِ هَلْ أَنْتُمْ مُجْتَمِعُونَ* لَعَلَّنَا نَتَّبِعُ السَّحَرَةَ إِنْ كَانُوا هُمُ الْغَالِبِينَ} (سورة الشعراء، الآية39-40).
هكذا هو الإعلام الفرعوني، يحشد الناس و يوجه آراءهم بإستخفاف عقولهم.
{قِيلَ}
يعود الفعل الى الإعلام الفرعوني.
{لِلنَّاسِ}
وهم هدف الإعلام الفرعوني، ليس فقط التأثير في أتباع فرعون و أنصاره، بل هدفه التأثير في أعداء فرعون من بني إسرائيل، و غيرهم لإعادتهم للعبودية، و تصوير العبودية لفرعون بأنها أفضل من الايمان بما جاء به موسى من عند الله –تعالى-.
{هَلْ أَنتُمْ مُجْتَمِعُون}
استفتاء و مداراة للناس من أجل خداعهم بالطريقة المثلى، فإذا عرف الإعلام الفرعوني ما يدور في عقول الناس و مدى اهتمامهم بالموضوع؛ تمكنوا من وضع خطة محكمة لخداعهم و إعادتهم للذل و العبودية.
{لَعلّنَا}
“لعلّ” أداة تفيد الترجّي، فبطريقة ماكرة و غير مباشرة يحدد الاعلام الفرعوني الهدف المرجو من هذا الحشد و الإجتماع مسبقاً، و هو توجيه الناس نحو ما يجب أن يؤمنوا به ويتبنّوه لأنفسهم.
الإعلام الفرعوني لا يذكر اسم فرعون أمام الناس لأنه يذكرهم بآلامهم و مآسيهم، فيستبدله بذكر السحرة و يسلط الأضواء عليهم
فكل من يحضر الاجتماع يضع في حسبانه أنه سيتبع السَحَرة، و يتمنى لهم أن يغلبوا موسى، بمعنى؛ أنه مشحون مسبقاً بشكل سلبي ضد موسى.
“نا” ضمير المتكلم الملحق بلعلّ، تمثل صيغة ماكرة وخبيثة اخرى من قبل الإعلام الفرعوني لإيهام بني إسرائيل –على وجه التحديد- بأنهم والفراعنة وسائر الناس وحدة اجتماعية واحدة في اطار عيش مشترك واحد، وأن الفراعنة يكنون لهم الحب والودّ، بينما الحقائق عكس هذا تماماً، والدليل؛ أن نفس هذا الإعلام سيصفهم فيما بعد بالشرذمة {إِنَّ هَٰؤُلَاءِ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ}.
{نَتّبِعُ السّحَرَةَ}
هذا هو الهدف الذي يرجوه الإعلام الفرعوني و يُدرّسه لعامة الناس، ويطبعه بأدمغتهم.
يدعي الإعلام الفرعوني أنه غير مرتبط بالسحرة، و أنه إعلام محايد و مهني و ينفذ مهنته في عرض الحقائق فقط دون تبيان رأيه
و الإعلام الفرعوني هو بالاساس يتبع السحرة، و يتبع فرعون، لكنه يدعي الحياد، وأنه مستعد لإتباع السحرة في حال كانوا غالبين.
و اتباع السحرة هو خدعة أخرى، فليس المهم عند الإعلام الفرعوني أن نتبع السحرة بل المهم عندهم اتباع فرعون، لكن هؤلاء السحرة لأنهم أصبحوا في جانب فرعون فيذكرهم الإعلام للناس، فالإعلام الفرعوني لا يذكر اسم فرعون أمام الناس لأنه يذكرهم بآلامهم و مآسيهم، فيستبدله بذكر السحرة و يسلط الأضواء عليهم.
{إنْ كَانُوا}
يدعي الإعلام الفرعوني أنه غير مرتبط بالسحرة، و أنه إعلام محايد و مهني و ينفذ مهنته في عرض الحقائق فقط دون تبيان رأيه، و هذه كذبة كبيرة انطلت على العقول المغفلة. و لذلك تقول الآية الكريمة على لسانهم: {إن كانوا}، ولم يَقُل: {إن كنا نحن الغالبين}، بينما في الحقيقة انتصار السحرة هو انتصار الإعلام الفرعوني لأنهم جميعاً مرتبطون بفرعون، وجميعهم يشكلون أحجار لهرم السلطة الفرعونية، حتى وإن أنكروا ذلك.
{هُمُ الْغَالبِين}
وهذا مديح للسحرة، وبيان لقوّتهم و إمكانية انتصارهم، و ينطوي ربما على تهديد لمن يريد أن يفكر خارج دائرة الإعلام الفرعوني، و يفكر بغير ما تعلّم من هذا الجهاز الإعلامي الفرعوني.
ففرعون قويّ، و سيغلب موسى بواسطة السحرة، و من أراد اتباع موسى فعليه أن يستعد للعذاب من الآن لأنه سيُغلب حتماً.
هكذا يصور الإعلام الفرعوني السحرة و قوتهم و إمكاناتهم، و قوة أسلحتهم، وما يملكون من أدوات لإرهاب المؤمنين بموسى، و لزعزعة ايمانهم و قوتهم.