قبل فترة، شاهدت برنامجاً مباشراً في إحدى القنوات الفضائية العربية عن مركز للأطفال من ذوي الاحتياجات الخاصة، وتضمن التقرير استعراض القائمين على المركز – ممن يشكرون بحق على جهودهم الإنسانية – أوضاع المركز ونواقصه الأساسية، و دوره المهم، وكانت أبرز مشكلاتهم في الجانب المالي. قالت إحدى مسؤولات المركز: إن رواتب المعلمات قد لا تتوفر هذا الشهر بسبب عدم وجود التخصيصات المالية، وقد لام أكثر الحاضرين في البرنامج حكومة هذا البلد لعدم تقديمها مساعدات كافية لمثل هذا المركز الحيوي، أفلا يعد ذلك عاراً في بلد نفطي؟!
في الحقيقة إن حاجة المجتمعات إلى التبرع الخيري ماسة وشديدة، فهناك عشرات الآلاف من الأسر الفقيرة، وعشرات الآلاف من العاطلين، وأضعافهم من المحتاجين، وآلاف من أصحاب الإعاقة المتنوعة، وكل تلك الشرائح الاجتماعية لا توجد قوانين واضحة لسد احتياجاتها بشكل سليم ومتكامل في اكثر بلداننا، لذلك تبقى هنالك ضرورة لمدّ يد العون من الاخيار والمحسنين في المجتمع، الى جانب الشركات والمؤسسات والتجار.
إن العبء الأساس في المساهمات الخيرية لسد نواقص المجتمع الضرورية ينبغي أن يقع على الشركات الكبرى والمؤسسات الخاصة والتي تصل أرباحها إلى أرقام خيالية.
-
العمل الخيري حماية للسلم الأهلي
يتصور البعض أن المساهمة في التبرع الخيري هو تفضّل من أصحاب القدرة المالية، بينما من الناحية الدينية هناك آيات واضحة تصرّح بوجود واجب اجتماعي على الميسورين لتقديم الأموال إلى المحرومين، قال تعالى: {وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ * لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ}، (سورة الذاريات، الآية:23-24).
يتصور البعض أن المساهمة في التبرع الخيري هو تفضّل من أصحاب القدرة المالية، بينما من الناحية الدينية هناك آيات واضحة تصرّح بوجود واجب اجتماعي على الميسورين لتقديم الأموال إلى المحرومين، قال تعالى: {وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ * لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ}
والسائل أعمّ من الشخص الذي يعترضنا في الطريق، فهو كل من يسأل لسد حاجته المادية سواء كان شخصاً يتقدم بشكواه، أو مؤسسة ترعى شؤون المحرومين. وعدّ سبحانه، من يتغافلون عن بذل المعروف، أو يتعاملون بصورة خاطئة مع المحرومين، ولا يحضّون الآخرين على البذل، بأنهم المكذبون الحقيقيون بالدين، بقوله تعالى: {أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ * فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ * وَلا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ}. (سورة الماعون، الآية:1-3)، وفي هذه الآية إشارة الى أن الدين ليس مجرد عبادات من دون الاهتمام بأوضاع المجتمع.
ومن الغريب حقاً أن يعيش البعض في حال ترف بلا حدود، في حين يعيش من حوله أناس لا يجدون قوت يومهم، وهناك في المجتمع من لا يجدون ما يأكلونه ويبيتون جياعاً في الليل، ثم يضطرون لإراقة ماء وجوههم لهذا أو ذاك للحصول على المال، أيعقل أن يكون في بلداننا التي تحقق شركاتها وكبار تجارها أرباحا بالملايين، وهم ينامون إلى جوار من لا يجد قوتاً لعياله؟ وحقاً ما قاله الإمام علي، عليه السلام: “ما جاع فقير إلا بما مُتّع به غنيّ”.
في زيارة كانت لي مع عدد من الإخوة العاملين في جمعية الرسالة الإسلامية في البحرين، لإحدى القرى الفقيرة، اكتشفت وجود عشرات البيوت المتهالكة في وسط القرية، في حين يحيط بها حزام من الأراضي الواسعة التي يملكها أحد المتنفذين الحاكمين، وكلها مؤجرة على مؤسسات صناعية حيث باع ذلك المتنفذ الأراضي الساحلية للقرية و أراضيها المحيطة لأمراء وتجار كبار.
فاذا كنّا نفكر بالسلم الأهلي، وتحقيق الامن والاستقرار في بلادنا بما يوفر العيش الكريم مع خطوات نحو التنمية والتطور، فان كل هذا – والحال هكذا – لا يمكن أن يتحقق من دون التفات أصحاب الرساميل الضخمة والامكانات المالية الكبيرة، إلى الشريحة الفقيرة، فابناء الفقراء والمحرومين، حينما تضغط عليهم أوضاعهم المعيشية، وحين لا يجدون وظائف لأبنائهم، ولا المال الكافي لتغطية تكاليف تعليم صغارهم، بل حتى امكانية معالجة مرضاهم، فلا نستبعد صدور أي فعل يهزّ هذا السلم الأهلي من ابناء هذه الشريحة.
إن بعض أعمال الشغب التي تقع في بعض البلاد، قد لا يكون سببها الأوضاع السياسية بالضرورة، بل في كثير من الأحيان تكون دوافعها الانتقام من الوضع الاقتصادي القائم الذي لم يعُد يُنصفهم في شيء، والتغافل والتعامي عن حاجات الفقراء قد يدفعهم إلى عمل أي شيء للخروج من وطأة الحالة القاسية التي يعيشونها، وهذا من مصاديق قول الصحابي الجليل أبي ذر الغفاري، رضوان الله عليه: “عجبت مِن مَن لا يجد قوت يومه كيف لا يخرج على الناس شاهراً سيفه”؟
إن المسؤولية لا تقع على الحكومات وحدها، وإن كانت هي التي ينبغي أن تتحمل الشطر الأكبر، إنما المسؤولية ايضاً تقع على جميع المكونات والشرائح الاخرى ذات الامكانية المالية
إن المسؤولية لا تقع على الحكومات وحدها، وإن كانت هي التي ينبغي أن تتحمل الشطر الأكبر، إنما المسؤولية ايضاً تقع على جميع المكونات والشرائح الاخرى ذات الامكانية المالية، ومن اللازم أن تقوم الوزارات المعنية بالشؤون الاجتماعية في كل بلد، بتشجيع التبرع من قبل المؤسسات الأهلية والتجار للعمل التطوعي والخيري، والذي يفضي الى سد الاحتياجات الملحّة؛ من تزويج الشباب، إلى توفير السكن اللائق، إلى مساعدة كل من يعيش الفاقة الحقيقية.
ولمزيد من البرمجة والعمل المؤسسي الرشيد، وفي سبيل الحثّ على التبرع، يحسن بالوزارة المعنية إصدار سجل وطني كل عام بمستويين “ماسي وذهبي” لأفضل المتبرعين للعمل الخيري، ثم يتم إبراز تلك الأسماء في مختلف وسائل الاعلام، كما يجري تكريم تلك الأسماء بحسب تدرج العطاء والتبرع كل عام، مع التذكير بكل اسم يتكرر في هذا السجل الوطني لأكثر من عام.