الطاغوت عدو الله، وعدو الناس، وعدو نفسه ايضا، إنه ضد الحضارة لانه يفرض ثقافة خاطئة وهو بلا شك عقبة في طريق التقدم الحضاري، لأن الحضارة قائمة على مبدأين أساسيين هما:
التعاون والتنافس؛ فبدون التعاون لن تتحقق صفة الجماعة التي جعلها الله شرطا لوضع يده معها، ومباركته لعملها حيث جاء في الحديث عن أميرالمؤمنين، عليه السلام: فإن يد الله مع الجماعة”، وبدون التنافس لا تتقدم الأمم.
ولذلك فإن التعاون وحده لا ينفع، لأنه في احسن صورة يتحول الى وحدة قسرية تقتل المبادرات الشخصية والدوافع الذاتية في الناس، فما قيمة التعاون الذي يُلغي حرية الافراد ويحولهم من بشر لهم عقولهم وتطلعاتهم ودوافعهم الى آلات منتجة لا روح فيها. من هنا كان لابد من التنافس في بطن التعاون، والتعاون في بطن التنافس.
لكل من التعاون والتنافس آفات يمنعها الآخر، فآفات التعاون يمنعها التنافس، وآفات التنافس يصدها التعاون
غير أن الاعتماد على مبدأ التنافس وحده يؤدي هو الآخر الى الفساد، أي الى انانية بغيضة تؤدي الى تراكم القوى وتجمع الارادات حول محور واحد.
وهكذا فإن لكل من التعاون والتنافس آفات يمنعها الآخر، فآفات التعاون يمنعها التنافس، وآفات التنافس يصدها التعاون.
ولقد كان التعاون في صورته الأبرز موجودا في المجتمع الاشتراكي الذي لم ينفعه تعاون ابنائه القسري شيئا، وانهارت الاشتراكيات في اوربا والاتحاد السوفيتي.
كما كان التنافس الابرز في المجتمعات المتخلفة التي تحول التنافس الى أنانية مطلقة، منعتها من تنمية قدراتها وتعاون ابنائها.
بينما نجد التعاون والتنافس في كل الحضارات، سواء التي بادت او التي لا تزال قائمة؛ فمثلا بين الولايات المتحدة الامريكية واروبا حالة من التعاون الوثيق تعكسها الاتفاقات العسكرية والسياسية والثقافية، ومع ذلك فإن التعاون الوثيق لم يمنع من التنافس الشديد الذي يصعب احصاء مجالاته.
ولهذا فإن الله ـ تعالى ـ أمرنا بالتعاون كما امرنا بالتنافس في آيتين مختلفتين، فقال عز وجل: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى}، وقال أيضا {وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسْ الْمُتَنَافِسُونَ}.
ولأن التعاون والتنافس ضروريان لبناء الحضارة، فإن كل مَن يمنع احدهما ويقف حجر عثرة في طريقهما، فهو عدو الحياة وهادم الحضارة، إنه طاغوت، من هنا كان الطاغوت ضد التعاون بين افراد الناس، وضد التنافس فيما بينهم كذلك.