-
مقدمة تاريخية
التاريخ الإسلامي والعربي والقرشي يقول: أن محمد بن عبد الله، صلى الله عليه وآله، اليتيم الذي كفله عمَّه عبد مناف الثاني أبو طالب، عليه السلام، من بعد جدِّه العظيم شيبة الحمد (عبد المطلب) إبراهيم العرب الثاني، فضمَّه إليه لأنه كان أول هاشمي يتزوج بهاشمية ولم يُرزق منها أولاد إلى حينها، وبما أن عبد الله الأخ الشقيق لعبد مناف وكان يحب ابن أخيه حباً شديداً ووجده أبوه عبد المطلب أهلاً للكفالة فأعطاه ابن أخيه وأوصاه به خيراً وأعلمه بأنه سيكون له شأنٌ عظيمٌ في التاريخ.
في يوم المبعث الشريف كان علي، عليه السلام، شريكاً كاملاً في الرسالة لأنه يرى ويسمع كل شيء
وبالفعل كان أبو طالب، عليه السلام، أباً وزوجته فاطمة بنت أسد أماً حقيقية لمحمد بن عبد الله، والتاريخ يقول: بأنهما رُزقا الأولاد ببركته ونصيحته لأمه فاطمة بنت أسد التي كان يُسميها: (أمي بعد أمي)، وبقي في مكانه ومكانته عندهما بل كان كلابن الأكبر عندهما فكان يُرافق عمَّه كظله لا يدعه يغيب عنه لحظة في سفر أو حضر إلى أن زوَّجه من سيدة قريش الطاهرة خديجة بنت خويلد فاتخذ له بيتاً مستقلاً إلى جوار بيت عمِّه وحاميه وكافله أبو طالب، عليه السلام.
-
المبعث الشريف في غار حراء
هكذا تربَّى علي بن أبي طالب، عليه السلام، في حجر وحضن وبيت ابن عمِّه محمد بن عبد الله، ولما كان يذهب ليتعبَّد في غار حراء كعادة جدِّه عبد المطلب كان يأخذه معه في كل مرة، ولا يُفاقه أبداً وهذا ما نأخذه منه، عليه السلام، حيث يقول في خطبته القاصعة: “قَدْ عَلِمْتُمْ مَوْضِعِي مِنْ رَسُولِ اَللَّهِ، صلى الله عليه وآله، بِالْقَرَابَةِ اَلْقَرِيبَةِ وَاَلْمَنْزِلَةِ اَلْخَصِيصَةِ، وَضَعَنِي فِي حَجْرِهِ حِجْرِهِ وَأَنَا وَلَدٌ وَلِيدٌ يَضُمُّنِي إِلَى صَدْرِهِ، وَيَكْنُفُنِي فِي فِرَاشِهِ، وَيُمِسُّنِي جَسَدَهُ، وَيُشِمُّنِي عَرْفَهُ، وَكَانَ يَمْضَغُ اَلشَّيْءَ ثُمَّ يُلْقِمُنِيهِ، وَمَا وَجَدَ لِي كَذْبَةً فِي قَوْلٍ، وَلاَ خَطْلَةً فِي فِعْلٍ“، كان ذلك طيلة عشر سنوات من عمره الشريف إلى أن صار عمر محمد بن عبد الله، صلى الله عليه وآله، أربعين سنة – لأن الفارق بينهما ثلاثين سنة – وحين كان في غار حراء يتعبَّد (يتحنَّث، والأصح يتحنَّف)، في السابع والعشرين رجب الأصب، وإذ ينزل عليه ملاك الوحي، ورسول السماء سيدنا جبرائيل، عليه السلام،يستأذنه ويُخبره عن الله ببدء الرسالة، وتنزُّل القرآن الحكيم، ويبدأ بقراءته من لحظته، حيث يبدأ من منطلق الحضارة (القراءة)، فكانت البداية الحضارية بقوله تعالى: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ}. (العلق: 5).
وكيف كان ذلك، وما حال ودور الإمام علي، عليه السلام، في ذلك الحين؟ وهذا نأخذها منه، عليه السلام، حيث يقول: “لَقَدْ كَانَ يُجَاوِرُ فِي كُلِّ سَنَةٍ بِحِرَاءَ فَأَرَاهُ وَلاَ يَرَاهُ غَيْرِي وَلَمْ يَجْمَعْ بَيْتٌ وَاحِدٌ يَوْمَئِذٍ فِي اَلْإِسْلاَمِ غَيْرَ رَسُولِ اَللَّهِ، صلى الله عليه وآله، وَخَدِيجَةَ وَأَنَا ثَالِثُهُمَا أَرَى نُورَ اَلْوَحْيِ وَاَلرِّسَالَةِ وَأَشُمُّ رِيحَ اَلنُّبُوَّةِ وَلَقَدْ سَمِعْتُ رَنَّةَ اَلشَّيْطَانِ حِينَ نَزَلَ اَلْوَحْيُ عَلَيْهِ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اَللَّهِ مَا هَذِهِ اَلرَّنَّةُ؟ فَقَالَ: هَذَا اَلشَّيْطَانُ قَدْ أَيِسَ مِنْ عِبَادَتِهِ إِنَّكَ تَسْمَعُ مَا أَسْمَعُ وَتَرَى مَا أَرَى إِلاَّ أَنَّكَ لَسْتَ بِنَبِيٍّ وَلَكِنَّكَ لَوَزِيرٌ وَإِنَّكَ لَعَلَى خَيْرٍ“.
ولاية الغدير الأغر كان منبعها في يوم المبعث الشريف في غار حراء، حين نزلت الرسالة كان محمد بن عبد الله، صلى الله عليه وآله نبياً مرسلاً يوحَى إليه، وكان علي بن عبد مناف وصياً ووزيراً يأخذ الوحي من رسول الله بعد أن يأخذه رسول الله من الله سبحانه وتعالى، فكان محمد المنذر، وعلي الهادي، عليه السلام
ففي يوم المبعث الشريف كان علي، عليه السلام، شريكاً كاملاً في الرسالة لأنه يرى ويسمع كل شيء، إلا أنه ليس نبيَّاً بل وصيَّاً ووزيراً لصاحب الوحي الرسالي الحبيب المصطفى، صلى الله عليه وآله، ثم أكَّد ذلك رسول الله في يوم الدار حيث أمره سبحانه بقوله: {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ}. فقال لهم: “يا بني عبدالمطّلب إنّه لم يبعث اللَّه نبيّاً إلّا جعل له من أهله أخاً ووزيراً ووصيّاً وخليفةً في أهله، فمّنْ يقوم منكم يُبايعني على أن يكون أخي ووزيري ووصيّي وخليفتي في أهلي؟”.. فقام عليّ، عليه السلام، من بينهم فأخذ برقبته وأمرهم بطاعته ومبايعته على ما شرط له ودعاه إليه، وكان ذلك في السنة الثالثة من البعثة حيث الدَّعوة الخاصَّة ببني هاشم الأكارم.
-
عيد الولاية في غدير خم
واستمرَّ حال أمير المؤمنين الإمام علي، عليه السلام، مع رسول الله، صلى الله عليه وآله، من المبعث الشريف في غار حراء إلى أن قام في السنة العاشرة من الهجرة أي بعد عشرين سنة وهم في كل محفل ونادي، ومجمع يُنادي باسمه ويُصرِّح لهم بولايته ويأمرهم بطاعته حيث أمَّره على الجميع، ولم يُؤمِّر عليه أحدٌ منهم، وكان حامل لوائه في كل حروبه وغزواته، بل كان قائد جيوشه ورئيس هيئة الأركان العامة فيها، فكان الذي يُشار إليه بالبَنَان وكان كالنجم في جوِّ السماء في عهده، صلى الله عليه وآله.
وبعد أن قفل، صلى الله عليه وآله راجعاً من حجة الوداع وعندما وصل قريب من الجُحفة نزل أمين الوحي جبرائيل، عليه السلام،يأمره بأمر ضاق به صدره، لعلمه بأنهم قريبو عهد بجاهلية وإذا أمرهم به سيرجعون إلى جاهليتهم، فنزل الأمر بالتشديد على التبليغ لأنه يُعادل الرسالة، ولن يجتمع لك شهود كما هم عندك الآن فأنت على مفترق طرق وسيتفرَّق الناس عنك وهم (124 ألف) فأبلغهم وأشهدهم وخذ منهم بيعتهم وأمرهم أن يُبلِّغوا مَنْ هم خلفهم من ناسهم وأقوامهم.
فجمعهم وخطب بهم خطبة بليغة وبالغة ومبلِّغة إلى أن قال: “أيّها الناس ألستُ أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟ قالوا: بلى يا رسول اللَّه، فأخذ بيد عليّ، فقال: مَنْ كنتُ مولاه فهذا مولاه، اللهمّ والِ مَنْ والاه، وعادِ مَنْ عاداه، وأحبّ مَنْ أحبّ، وأبغض مَنْ أبغضه، وانصر مَنْ نصره، واخذل من خذله” (الأمالي للطوسي: 255/459).
ثم نصبَ له خيمةً وأجلسه فيها ثلاثة أيام وهم يُبايعونه حتى بايعه الجمع بالرسلة للرسول والولاية والأمارة للأمير، عليه السلام،حتى بايعه النساء وفي مقدمتهم نساء النبي، وممّن هنّأه في مقدّم الصحابة: الشيخان أبو بكر وعمر، كلٌّ يقول: “بَخٍ بَخٍ لك يا بن أبي طالب، أصبحتَ وأمسيتَ مولاي ومولى كلّ مؤمن ومؤمنة“. وقال عبد الله بن عبّاس: “وجبت واللَّه في أعناق القوم“.
-
الغدير ينبع من غار حراء
ومن هنا كان يحقُّ لنا أن نقول بكل جدارة وقوة: أن ولاية الغدير الأغر كان منبعها في يوم المبعث الشريف في غار حراء، حين نزلت الرسالة كان محمد بن عبد الله، صلى الله عليه وآله نبياً مرسلاً يوحَى إليه، وكان علي بن عبد مناف وصياً ووزيراً يأخذ الوحي من رسول الله بعد أن يأخذه رسول الله من الله سبحانه وتعالى، فكان محمد المنذر، وعلي الهادي، عليه السلام.