-
مقدمة
التاريخ الإسلامي بدأ في غار حِراء حيث نزل رسول الوحي جبرائيل، عليه السلام، على محمد بن عبد الله، صلى الله عليه وآله،وأمره بالرسالة، وبدء القرآن الحكيم بآيات عظيمة إلى الآن تهجرها هذه الأمة التي كانت تغطُّ في جاهليتها حتى قمة رأسها التي وقف عليها يتيم عبد المطلب، عليه السلام، لينتشلها من حفرتها الجهنمية، ويرفعها من خِسَّتها الآدمية، ويُنير ظلماتها الجاهلية، حيث قال الله تعالى لرسول الكريم، صلى الله عليه وآله،: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ}. (العلق: 5).
في الواقع ذاك تاريخ القرآن الحكيم ونزوله على الرسول العظيم، صلى الله عليه وآله،، وأما تاريخ الإسلام فبدأ قبل ذلك بكثير، حيث بدأ مع نبي الله آدم، عليه السلام، كنبي، ثم مع أبي البشر الثاني نبي الله نوح، عليه السلام، كرسول، وأما التسمية فقد جاءت باسم أبي الأنبياء وبطل التوحيد إبراهيم خليل الرحمن، عليه السلام، وذلك بقوله تعالى: {هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ}. (الحج: 78).
فرسالة السماء واحدة من الواحد الأحد وأصلها التوحيد، ولكن جاءت على مراحل متكاملة ومتنامية إلى أن وصلت إلى ذروتها بالحبيب المصطفى محمد بن عبد الله، صلى الله عليه وآله،والقرآن الحكيم، فجُمعت كل الرسالات، وجميع الكتب السماوية فيها، وصار الرسول الأعظم، صلى الله عليه وآله،الإنسان الأكمل، والمثال المُقتدى للبشرية جمعاء، وورَّث ذلك كله لأهل بيته الأطهار، عليه السلام، لا سيما صنوه وأخاه أمير المؤمنين وسيد الوصيين الإمام علي بن أبي طالب، عليه السلام.
-
فضيلة فتحت كل الفضائل
يطول الحديث عن فضائل أمير المؤمنين، عليه السلام، ولكن هنا سنتطرق إلى فضيلة كانت مفتاحٌ لكل فضيلة، وهي التي أثبتها الله العظيم في كتابه الحكيم، ودفنتها قريش الطاغية، وأهملها التاريخ الإسلامي السلطوي، وأنكرها النواصب قديماً، ونسختهم السيئة الوهابية في هذا العصر الأغبر الذي ابتُلينا فيه بقوم لا يفقهون حديثاً إلا من نبيِّهم ابن تيمية وأذنابه الوهابية.
تلك الفضيلة التي كانت في يوم الهجرة النبوية الشريفة، ومبيت الإمام علي، عليه السلام، في فراشه مموِّهاً على شياطين قريش الأربعين، وقيل مئة، الذين اجتمعوا ليفتكوا برسول الله، صلى الله عليه وآله، ويضربوه ضربة رجل واحد بعد أن انتقل إلى رحمة الله ورضوانه حاميه وداعمه وعمَّه أبو طالب، وزوجته المخلصة أمنا خديجة، عليهما سلام الله، في عام سمَّاه الرسول الحزين عليهما ب(عام الحزن).
فاجتمعت قريش وتآمروا مع إبليس اللعين والشيطان الرجيم بصورة بدوي نجدي – لأن كل الشياطين تخرج من نجد الشَّر – الذي أشار عليهم بهذا الرأي الخبيث، كما في التاريخ والسيرة، ونزل قوله تعالى: {وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الّذِينَ كَفَرُواْ لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللهُ وَاللهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ}. (الأنفال: 30).
وأخبر سيدنا جبرائيل، عليه السلام، رسول الله، صلى الله عليه وآله،بهذه المؤامرة وتفاصيلها وأمره: “إن الله يُقرئك السلام ويقول لك: اخرج من مكة فقد مات ناصرك” (شرح نهج البلاغة: ج14ص70، بحار الأنوار: ج 22 ص261).
فالله تعالى هو الذي خطط ومكر بطغاة قريش، حيث أمر رسول الله، صلى الله عليه وآله،بالهجرة، وأمر أمير المؤمنين الإمام علي، عليه السلام:
- بالمبيت على فراش النبي، صلى الله عليه وآله.
- ثم ليؤدِّي ما عند رسول الله، صلى الله عليه وآله،من أمانات وودائع لأصحابها.
- ويلتحق به بثقله وأهله من الفواطم والبسطاء من المسلمين..
فكان دور أمير المؤمنين، عليه السلام، جزء لا يتجزأ من الخطة الرَّبانية، ولولاه لما كان للمخطط أن يسير كما سار بكل أمانة واستقامة ودقة، فالأمر من الله كله وبمشيئة الله وإرادته الماضية، فكان أمير المؤمنين جزء أساسي من الرسالة وليس دوره دور ثانوي كبعضهم الذي لو لم يُذكر في التاريخ لكان أنظم، وأنظف، وأكمل، وأجمل، وأما علي بن أبي طالب، عليه السلام، فإنه لو رفعناه من تاريخ الإسلام لم يبقَ الإسلام، ولذا قال رسول الله، صلى الله عليه وآله،: “قام الإسلام بمال خديجة وسيف علي“.
ففضيلة الفراش هي التي فرشت الطريق للإسلام التي فرش الفضائل والقيم في هذه الدنيا فإلى متى تُنكر هذه الأمة هذه الفضيلة التي فتحت الباب لكل الفضائل الإسلامية والإيمانية
فدعا رسول الله، صلى الله عليه وآله، الإمام علياً، عليه السلام، وأخبره بخطّة قريش وبهجرته إلى المدينة المنوّرة، ثمّ قال له: “يا علي، إنّ الروح هبط عليَّ بهذه الآية آنفاً، يخبرني أنّ قريش اجتمعت على المكر بي وقتلي، وأنّه أُوحي إليَّ عن ربّي عزّ وجلّ أن أهجر دار قومي، وأن أنطلق إلى غار ثور تحت ليلتي، وأنّه أمرني أن آمرك بالمبيت على ضجاعي ومضجعي لتخفي بمبيتك عليه أثري، فما أنت قائل وصانع)؟
فقال علي، عليه السلام: أو تسلمن بمبيتي هناك يا نبي الله)؟ قال: (نعم)، فتبسّم علي(عليه السلام) ضاحكاً، وأهوى إلى الأرض ساجداً، شكراً لما أنبأه رسول الله، صلى الله عليه وآله، من سلامته، ثمّ نزل قوله عزّ وجلّ في حقّ علي، عليه السلام، مبيته الفدائي هذا: {وَمِنَ النّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاء مَرْضَاتِ اللهِ وَاللهُ رَؤُوفٌ بِالْعِبَادِ}“. (البقرة: 207).
ويصف الموقف سماحة السيد المدرسي (دام عزه) فيقول: “ولكن مَنْ هو ذلك الذي يُقدم على الموت على الفراش؟ وليس في ساحة الحرب، حيث الثورة والهياج وحيث يُقاتِل فَيَقتُل ويُقتَل، بل حين الموت على الفراش لا يدافع عن نفسه، ولا تثور أعصابه، ولا يقوم بحركة!
إن لهذه المهمة رجلًا واحدًا فقط، هو ابن أبي طالب!! إنه لا يتهيَّب أبدًا وَقَعَ الموت عليه، أو وَقَعَ هو على الموت.
وجاء إليه النبيُّ، صلى الله عليه وآله، يعرض عليه أمر الهجرة، ويأمره بالمهمة، فإذا بعليٍّ عليه السلام، وكأنه قد بُشِّر بملك الدنيا، يرحب بها بعد أن يَطْمَئِنَّ إلى سلامة الرسول، وينجو الرسول صلى الله عليه واله من أيدي المتآمرين، ويتقلب الإمام عليه السلام على فراشه، وتلمع حول البيت سيوف تنتظر الفجر لتهجم على المستلقي على الفراش فتقطعه إربًا إربًا، وعندما اقترب الصبح، رمَوا حجرًا إليه، فلم يتحرك، ثم رمَوا الثاني، وعندما رمَوا الثالث قام من مكانه، فقال قائلهم: من هذا؟. إنه ابن أبي طالب.. قالوا له: أين محمدٌ؟.
قَالَ، عليه السلام: “أَ جَعَلْتُمُونِي عَلَيْهِ رَقِيبًا“. (الإمام على، عليه السلام، قدوة وأسوة؛ السيد محمد تقي المدرسي: ص26).
-
فضيلة الفتح العظيم
تلك هي الفضيلة التي مدحها الله تعالى في كتابه وأثنى على صاحبها بما لا مزيد من المدح والثناء، حيث وصف العمل الفدائي بقوله تعالى: {يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاء مَرْضَاتِ}، أي يبيع نفسه بثمن رضا الله تعالى، فقبول البيع يقتضي الثمن من الله الكريم، لأن ذاك العمل والفداء هو الذي سمح لرسول الله، صلى الله عليه وآله، بالخروج سالماً معافى من مكة المكرمة، ومن بين طغاتها المجرمين الذي اجتمعوا على بابه الذي هو باب الله، وأرادوا أن يقترفوا جريمة نكراء دونها كل الجرائم، بقتلهم رسول الله، صلى الله عليه وآله،، ولكن الله تعالى مكر بهم وخيَّب فألهم وجعل تدبيرهم بلاءً على رؤوسهم.
وبذلك هاجر رسول الله، صلى الله عليه وآله،إلى يثرب، وحوَّلها إلى طيبة، ثم المدينة المنوَّرة به، حيث تتابع نزول القرآن وتتالت الانتصارات من بدر، ثم أُحد، ثم الخندق (الأحزاب)، وبعد كل معركة كانت وقعة بحيٍّ من أحياء اليهود الذين يُشاركون المشركين القرشيين بكل معركة ويغدرون بالنبي، صلى الله عليه وآله،كعادتهم في المكر، والغدر المتأصلة فيهم منذ القَديم.
فتلك الفضيلة وذلك المبيت على فراش النبي، صلى الله عليه وآله، الذي يتَّخذه بعضهم عيداً فيقول: (عيد الفراش) هو صحيح وبيده كل الحق أن يجعل من ذلك اليوم عيداً، لأنه أخرج الإسلام العظيم من قمقم مكة المكرمة وطغاتها، إلى العالم أجمع ثم إلى الدنيا حيث انتشر في كل أصقاع المعمورة، ببركة تلك الليلة وذاك الفداء العظيم، من أمير المؤمنين الإمام علي بن أبي طالب، عليه السلام.
قال رسول الله، صلى الله عليه وآله،: “قام الإسلام بمال خديجة وسيف علي”.
ولذا حاولت السلطة القرشية أن تُخفي هذه الفضيلة ولم تستطع لذلك سبيلاً فالله تعالى أثبتها في كتابه الحكيم فحاولوا أن يشوِّهوها كما فعل معاوية بن هند الهنود حيث روى ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة: “وقد روي أنّ معاوية بذل لسمرة بن جندب مائة ألف درهم حتى يروي أنّ هذه الآية نزلت في عليّ بن أبي طالب: “{وَمِنَ النَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَوةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ* وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ}. (البقرة: 205)، وأنّ الآية الثانية نزلت في ابن مُلجم، وهي قوله تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِى نَفْسَهُ ابْتِغَآءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ}. (البقرة: 207)، فلم يقبل، فبذل له مائتي ألف درهم فلم يقبل، فبذل له ثلاثمائة ألف فلم يقبل، فبذل له أربعمائة ألف فقبل، وروى ذلك” (شرح نهج البلاغة: 4 ص63).
هكذا أرادت السلطة القرشية الأموية الظالمة تحوير الفضيلة التي أخرجت الدِّين من أسر قريش في مكة المكرمة، ونشرت الإسلام في العالم بعد انتقاله إلى المدينة المنورة، وهكذا يُحاول صبيان ابن تيمية من نفيهم أنها فضيلة أصلاً لأن قلوبهم مظلمة، وعقولهم مغلقة، لا يُفتح على الفضيلة بل مفتاحها الرزيلة والدينار والدولار كسيدهم معاوية وسمرة بن جندب الكذاب الدجال.
ففضيلة الفراش هي التي فرشت الطريق للإسلام التي فرش الفضائل والقيم في هذه الدنيا فإلى متى تُنكر هذه الأمة هذه الفضيلة التي فتحت الباب لكل الفضائل الإسلامية والإيمانية؟