ما لامس شعبٌ في العالم التطور والتقدم، ولم يستريح في واحات الأمن والرفاهية ورغد العيش إلا بعد خروجه من أشد الاختبارات قسوة مكللاً بالنجاح، سواءً في اختبار الحروب المدمرة، او الكوارث الطبيعية، او الاوبئة الفتاكة، وحتى بلاء الانظمة السياسية الجائرة، فقد خبرت نفسها في المقاومة والصبر والتصدّي الشجاع، ونبذ كل المفردات السلبية من حياتهم من يأس وإحباط وتشكيك، قبل ان تختبر نفسها في مصانع الانتاج ومختبرات العلوم وميادين العمل.
والعراق الذي نتحدث عنه دائماً ـ ويتفق معنا الكثير في العالم- على أنه الأوفر حظاً من عديد دول العالم بوفرة فرص التقدم والتطور لديه في المجالات كافة، يتعرض اليوم لما لا يتعرض له الآخرون من ضغوط من اطراف عدّة تمنعه من التطور في مجال التعليم والكهرباء والعمل والتوزيع العادل للثروة، والى جانب كل هذه التحديات منذ التخلّص من ديكتاتورية صدام عام 2003، يظهر امامنا تحدٍ جديد ومن نوع خاص وهو؛ وباء كورونا وافرازاته السلبية على الحياة العامة، أهمها؛ العمل والتعليم، فان كان بالامكان التخفيف من حركة السوق بغية تحقيق أكبر قدر من الوقاية والسيطرة على العدوى، بفضل الرواتب التي تسددها الحكومة لشريحة واسعة من المواطنين بعناوين مختلفة، فانه من غير الممكن التخفيف من مسيرة التعليم بأي حال من الاحوال لارتباطها الوثيق بعامل الزمن.
لابد من تعزيز الثقة بين الطالب والاستاذ في المراحل كافة، وهذا يتطلب تواصلاً بين أولياء الأمور والاساتذة عبر منصاب التواصل الاجتماعي بالتحفيز والتقدير، وإشعار الاستاذ انه مسؤول أمام الطالب الجالس في البيت
فقد أعيت الحيلة المعنيين في وزارة التربية والحكومة في بغداد العام الماضي في كيفية الخروج من السنة الدراسية لعامي 2019-2020 بعد أن اقتطعت الاحتجاجات واغلاق الطرق والمدارس جزء من فترتها الدراسية، ثم جاءت “كورونا” لتقتطع الجزء الآخر، فلم يبق سوى اسابيع معدودة درسها التلاميذ الصغار وطلبة الاعدادية والجامعة، ولم يكن بالامكان مطلقاً إلغاء السنة الدراسية، لان اطفالاً جدد ينتظرون دورهم للسنة الدراسية الجديدة ليأخذوا مقاعدهم في الصف الاول الابتدائي، لذا كان القرار ب”سنة عبور” وعدّ الجميع ناجحين بشكل او بآخر! فقط لاستمرار سير الميسرة التعليمية.
ليس العراق وحده يعيش ضغوط من هذا النوع بسبب “كورونا”، فقد خبر العالم أول مرة “كوفيد19″، والآن يخوض صراعاً شرساً مع “السلالة الجديدة” من هذا الوباء المريب والغريب، انما الفارق في طريقة التعامل وفن الاستيعاب، لاسيما ما يتعلق بقطاع التعليم للخروج بأقل الخسائر وهذا بحاجة الى تفعيل الجانب الانساني والاخلاقي في المجتمع قبل الدولة والحكومة والمعنيين بأمر التربية والتعليم، فهذه المرة ليست القضية ادارية وفنية تجمع بين أداء الكادر التعليمي والرعاية الحكومية وحرص الطالب واسرته، بقدر ما هي مسألة معنوية بدرجة كبيرة فقد خرجت المسألة من يد الحكومة، وزيراً، ومديراً، وادارة مدرسة عندما بات الوباء هاجساً عالمياً وانتشاره يمثل كابوساً وخطراً يداهم الجميع.
يجب علينا عدم الانغماس في الاجواء السلبية وتبادل مشاعر اليأس والاحباط والفشل المسبق من خلال منصات التواصل الاجتماعي
ولان نصح الحكومة بعدم التهويل واصدار القرارات المشددة بشأن التعليم خاصة لم يجد نفعاً، فان المسؤولية تقع على الكادر التعليمي والتدريسي والمواطنين بأن يسعوا للتخفيف من الآثار السلبية لقرارات الاغلاق والتأجيل وغيرها، وذلك من خلال:
- عدم الانغماس في الاجواء السلبية وتبادل مشاعر اليأس والاحباط والفشل المسبق من خلال منصات التواصل الاجتماعي
- متابعة الأهل بشكل مكثف ومضاعف عبر منصات التواصل الاجتماعي، وحثّ الابناء على الجدّية في الدراسة عبر الانترنت مهما كلف الأمر من تقاطع مع الاعمال المنزلية، وحدوث اختلالات فنية في الانترنت من قطع التيار الكهربائي وضعف الخدمة وغيرها، والأهم من كل هذا؛ عدم السماح للعبث واللعب من اختراق حياة الطالب وهو يواصل دراسته داخل بيته.
- تعزيز الثقة بين الطالب والاستاذ في المراحل كافة، وهذا يتطلب تواصلاً بين أولياء الأمور والاساتذة عبر منصاب التواصل الاجتماعي بالتحفيز والتقدير، وإشعار الاستاذ انه مسؤول أمام الطالب الجالس في البيت، وفي الوقت نفسه تحسيس الطالب بانه جالس امام الاستاذ عندما يتلقى الفروض والواجبات وحتى أداء الامتحانات.
الفترة القصيرة الماضية من السنة الدراسية الحالية أشرت بأسف لوجود ترسبات المشاعر السلبية في النفوس رغم عودة الحياة الى طبيعتها الى حد ما، وابتهاج الطلاب بذهابهم الى المدرسة ولو ليوم واحد او اكثر في المدارس والجامعات، مع تأدية الامتحانات داخل المدارس، فالمدرسة الناجحة هي التي يقف كادرها قامة عالية وشامخة امام عاصفة السلبيات والمنغّصات، ولا يكون مصدراً لنشر الرعب والخوف بين الطلاب، ونقل الاخبار المفبركة من مصادر غير موثوقة عن اغلاق المدارس كلية، واجراء الامتحانات عبر الانترنت، حتى الامتحانات النهائية، وإن جاء الطلاب الى المدرسة فانهم ينتظرونهم بوابل من التحذيرات والاجراءات المعقدة التي تجعلهم يفكرون بطريقة التخلص من هذه الاجواء الخانقة قبل التفكير بالتخلص من فايروس كورونا!
هنالك تفاصيل كثيرة عن اساليب وبرامج التعليم في المدراس في ظل الاوضاع الراهنة، لاسيما مع اليوم الواحد للدوام، والجلوس ستة ايام في البيت، ليس أقلها توزيع المواد الدراسية بشكل منتظم ومرضٍ للطلاب في اليوم الواحد، ومحاولة إيصال المادة الى ذهن الطلاب بشكل او بآخر، بيد أن المقام لا يسع، ثم جاء قرار “خلية الأزمة” برئاسة رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي بإغلاق جديد لمدة اسبوعين يشمل المدارس مما يحمّل المدرس والبيت مسؤولية جديدة وكبيرة علينا الانتباه اليها لتقوية المعنويات وعدم الايغال في السلبيات والتمنيات والتوقعات غير العملية في هذه الظروف.
وكما يفعل البعض بالتخطيط فوق سطح الماء، وأن هذا افضل، وذاك أحسن…، او ان هذا صحيح، وذاك خطأ، فالعاصفة عاتية على العراق تحديداً، كما هي على عديد البلدان في المنطقة والعالم، والشاطر من يثبت قدمه ويستقيم ويدفع ابناءه الى طي هذه المرحلة بقدر كبير من الفهم والاستيعاب للمواد استعداداً للسنة الدراسية الجديدة، وأن لا يقع المحذور وينحني الجميع امام العاصفة ويتحول التعليم عندنا الى بؤرة اخرى من بؤر الفساد تضاف الى ما تشهده بعض الدوائر الخدمية، والمؤسسة الامنية والقضائية، فضلاً عن المؤسسة السياسية.