تتحرك الاحياء بدافع الغريزة، لكن الانسان يختلف عنها، فهو يرى أمامه الخيارات الكثيرة، لأن في داخله خلط من الشبكات المختلفة، يقول تعالى: {إِنَّا خَلَقْنَا الإِنسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعاً بَصِيراً}، والإنسان من عدا بقية المخلوقات له القدرة على التفكير واتخاذ القرارات، ولكن تسارع الحياة وتوالي احداث، يقع البعض فريسة العجلة ويتخذ القرارات غير الصائبة التي يكون مآلاتها خطيرة. فكيف يجب ان يفكر الإنسان؟
وما هي آليات التفكير عنده؟
يتحرك الانسان في تفكيره من نقطة الملاحظة، والملاحظة تنقسم الى قسمين:
ـ ملاحظة بدائية سطحية
ـ ملاحظة منهجية
فالملاحظة الاول ان ترى ظواهر الاشياء كما هي، فإذا رأيت اناس يمشون صوب ضريح الإمام الحسين، عليه السلام، فإن النتيجة معروفة وهي انهم ذاهبون الى زيارته، وفي هذه الملاحظة لم تضف معلومة جديدة الى عقلك.
لكن في الملاحظة الثانية ـ المنهجيةـ هو أن تفكر في خفايا الامور وخبايها، بحيث يوصلك هذا التفكير الى معلومة جديدة كانت غائبة عنك، فهذه الملاحظة بعد الملاحظة الأولى يحتاج الى مقاييس يرجع اليها. فيكف يفهم ـ مثلا ـ ان هذا الإنسان صائم ام لا، وهل هو مؤمن أم منافق.
يقول الإمام علي، عليه السلام: “أصل السلامة من الزلل الفكر قبل الفعل، والرويّة قبل الكلام”
وهذه المقاييس توجد في الملاحظة الثانية، وعلى ضوء المقاييس يتخذ القرار الذي يراه مناسبا.
فالطبيب مثلا يفحص المريض فحصا سريرا، ففي البداية يفحص نسبة ارتفاع الدم، ودرجة الحرارة لدى المريض ..، فالطبيب ينظر الى مريضه ويكتشف علته ربما أكثر من احد اقربائه كأبيه وأخيه، لان ملاحظة الطبيب ملاحظة منهجية.
لكن في الملاحظة المنهجية قد يخطئ البعض وهذا الخطأ يحصل بسبب العجلة ـ فمثلا ـ فقد يخطىء الطبيب في تشخيص بعض المرضى بسبب عجلته الناتجة من كثرة المراجعين له. والاستعجال أحد أهم اسباب الخطأ في حياة الإنسان.
وقد يخطىء البعض لكنه يسعى الى تبرير خطأه المجانب للصواب، وهو يعرف في حقيقة نفسه بخطئه لكنه يختلق التبريرات لذلك الخطأ.
الوليد بن المغيرة حينما سمع القراءة العظيمة للقرآن الكريم من النبي الأكرم، صلى الله عليه وآله، أخذت الآيات بتلابيب قلبه وتغلغلت في أعماق روحه، وحين سألوه ماذا سمعت؟
قال: سمعت شيئا ليس بخطبة ولا بشعر، ولا بسجع، ولا بكهانة.
وحتى لا يعترف بحقيقة القرآن ويفقد مكانته في أوساط قريش، ادعى بأن القرآن سحرا وخطأه هذا مبني على أمرين:
ـ الاستعجال
ـ الخلفية الشركية التي كان يحملها، لأن التفكير سيدعوه الى الإيمان بالنبي لكنه لم يمهل عقله للتفكير فاستعجل بالحكم.
يقول الله تعالى: {إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ}، يُبنى التفكير على المعلومات الموجودة لدى الإنسان، {وَقَدَّر} فبعد التفكير والحصول على المعلومات، فهو بحاجة في هذا الموقع من التكفير الى ارجاع المعلومات الى معيار معيّن، ومرجعية معينة، وقيّمة معينة.
{فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ} المعنى الظاهري لكلمة ( قُتل) أن الإنسان قد تكون حياته في خطر بسبب خطأ منهجي، والخطأ الذي يؤدي الى الضرر يقال عنه ( قٌتل الإنسان).
يقول الإمام علي، عليه السلام: “أصل السلامة من الزلل الفكر قبل الفعل، والرويّة قبل الكلام”.
التفكير عملية صعبة ومجهدة، وتركيزه اصعب واشد جهدا، وقلة المفكرين في العالم ناشئة عن الصعوبة البالغة التي يقتضيها التفكير المركز
اليوم؛ تتوالى الاحداث الكثيرة والسرعة العجيبة في جميع مفاصل الحياة، فوسائل النقل اصبحت سريعة، والأكل اصبح سريعا، وكل شيء من حولنا يتسم بالسرعة، بل إن (السرعة) اصبحت معيارا لدى بعض الشركات لقبول العاملين، فمثلا السرعة في المشي، اوالسرعة في التقييم .. وغيرها من المعايير التي تضعها المؤسسات في هذا الجانب.
حتى وسائل التواصل الاجتماعي فإن احد ابرز خصائصها هي السرعة، وما تقدمه من محتوى ايضا يتميز بالسرعة، فمقطع الفديو إذا كان طويلا فإنه غير مرغوب به، وكذا في بقية الأمور. كل ذلك انعكس على واقع الحياة، واصبح الناس سريعوا الحركة في كل شيء.
والسرعة مطلوبة أحيانا؛ لكنها غير محمودة في كثير من الأمور، ولهذا فإن سماحة المرجع المدرسي في كتابه المنطق الإسلامي، يعد (الاستعجال) أحد جذور الخطأ عند الإنسان، يقول سماحة السيد: “لظاهرة التسرع والتي يعبر عنها (بحب النفس لسرعة الحكم) جذر نفسي واحد، ونتائج شتى، فالجذر هو: (غريزة الحب الراحة) إذ الحقيقة التي لا يرتاب فيها احد هي: ان التفكير عملية صعبة ومجهدة، وتركيزه اصعب واشد جهدا، وقلة المفكرين في العالم ناشئة عن الصعوبة البالغة التي يقتضيها التفكير المركز.
وحب الراحة هو الآخر حقيقة لا يرتاب فيها احد، فمن منا لا يحس بها؟
ومن هنا يتهرب البشر من التفكير، ويهوى التسرع لينقذ ذاته من هذه الصعوبة وهذا هو جذر التسرع”.( المنطق الاسلامي اصوله ومناهجه؛ ص200).
إن أحد أهم سمات الشخصية الناجحة هي الاتزان هي عدم التسرع في اتخاذ القرارات بصورة فورية ومستعجلة، يقول الإمام علي، عليه السلام: “الفكر في العواقب ينجي من المعاطب”. ويقول أيضا: “إذا قدمت الفكر في جميع أفعالك حسنت عواقبك في كل أمر”.