إنها عن إحدى الكبر..
النذيرة للبشر..
هي الكوثر في سورة الكوثر..
وهي من في بيت الرسالة محور..
إنها القدر في سورة القدر، والزجاجة التي فيها المشكاة، والراضية المرضية، الطاهرة الزكية، الحوراء الإنسية..
إنها فاطمة الزهراء.
كم قلنا وكم كتبنا فيها وفي فضلها فإن ذلك لا يبلغ معشار مقامها وهي التي امتحنها الذي خلقها قبل أن يخلقها فوجدها لما امتحنها صابرة، وهي التي جعلت المحور في الخلق، حين قال الله تعالى: “وعزتي وجلالي إني ما خلقت سماءاً مبنية ولا ارضا مدحية ولا قمراً منيرا ولا بحراً يجري ولا فلكا تسري إلا لأجل هؤلاء الخمسة الذين هم تحت الكساء”.
وحين سأل الأمين جبرائيل من تحت الكساء؟ قال: “هم فاطمة وابوها وبعلها وبنوها“.
فاطمة كانت من جنس الجنة، فلم ترد شيءاً من الدنيا قط، فهي وان أعطاها النبي فدكاً والحوائط السبع لكنّها لم تنل منها شيء، بل كانت تؤثر غيرها، أمّا وكان من ايثارها ما أنزل الله فيه سورة الدهر
فاطمة التي قال الإمام الصادق عليه السلام ـ كما في كتاب أمالي الصدوق عن إسحاق بن عمار وأبو بصير ـ: “إِنَّ اللَّهَ (تَعَالَى) أَمْهَرَ فَاطِمَةَ، عَلَيْهَا السَّلَامُ، رُبُعَ الدُّنْيَا، فَرُبُعُهَا لَهَا، وَ أَمْهَرَهَا الْجَنَّةَ وَ النَّارَ، تُدْخِلُ أَعْدَاءَهَا النَّارَ، وَ تُدْخِلُ أَوْلِيَاءَهَا الْجَنَّةَ، وَ هِيَ الصِّدِّيقَةُ الْكُبْرَى، وَ عَلَى مَعْرِفَتِهَا دَارَتِ الْقُرُونُ الْأُوَلُ“.
والحديث عن مقامات فاطمة عليها السلام، له ثلاثة ثمار:
الثمرة الأولى: زيادة المعرفة بها أحرى للإقتداء بها، والتسليم والإنقياد لها.
الثمرة الثانية: إذا كانت فاطمة يرضى الله لرضاها ويسخط لسخطها، فعلينا أن نعرفها أولاً، لنرى حين زعمنا أنّا لها أولياء ومصدقون فهل حقاً نحن كذلك؟
الثمرة الثالثة: لأنها جُعلت قدوة لنا كرجال ونساء، صغار وكبار فعلينا أن نتعرف عليها لنعرف أين ترضى فاطمة وأين تسخط فاطمة؟
-
في الخلقة الأولى
خلقت قبل أن نُخلق، بل وقبل أن يُخلق آدم، فحين كان يسير آدم في الجنّة، بكل فخر واعتزاز شاكراً لنعمة الله عليه، حيث جعله بديع خلقه، تساءل في نفسه، هل خلق الله خلقاً أفضل مني؟
فعلم الله عز و جل ما وقع في نفسه فناداه: إرفع رأسك يا آدم فانظر إلى ساق عرشي.
فقال: يا ربّ هل خلقت أحداً من البشر قبلي؟
قال تعالى: “لا“.
قال: فمن هؤلاء الذين أراهم على هيئتي وعلى صورتي؟
قال الله عزوجل: “هؤلاء خمسة من ولدك لولاهم ما خلقتك ولا خلقت الجنة ولا النار ولا العرش ولا الكرسي ولا السماء ولا الأرض ولا الملائكة ولا الانس ولا الجن.
هؤلاء خمسة اشتققت لهم أسماء من أسمائي. فأنا المحمود و هذا محمّد، وأنا الأعلى وهذا علي، وأنا الفاطر وهذه فاطمة، وأنا الإحسان وهذا الحسن، وأنا المحسن و هذا الحسين. آليت بعزتي أن لا يأتيني أحد بمثقال حبة من خردل من حبّ أحد منهم إلا أدخلته جنتي، وآليت بعزتي أن لا يأتيني أحد بمثقال حبة من خردل من بغض أحد منهم إلا أدخلته ناري و لا ابالي.
يا آدم، و هؤلاء صفوتي من خلقي بهم انجي و بهم اهلك[1] فإياك أن تنظر إليهم بعين الحسد”[2].
فحين نسمع أن فاطمة ممتحنة فهناك عوالم سبقت هذا العالم المادي الذي نعيشه وقد امتحنت الزهراء في تلك العوالم قبل أن تخلق في هذه النشأة، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وآله كلما اشتاق إلى الجنة شم فاطمة، وكان يقول: “خُلِقَ نُورُ فَاطِمَةَ عليها السلام قَبْلَ أَنْ تُخْلَقَ الْأَرْضُ وَ السَّمَاءُ”، فَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ يَا نَبِيَّ اللَّهِ فَلَيْسَتْ هِيَ إِنْسِيَّةً؟ فقال ص:”فَاطِمَةُ حَوْرَاءُ إِنْسِيَّةٌ خَلَقَهَا اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ مِنْ نُورِهِ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ آدَمَ إِذْ كَانَتِ الْأَرْوَاحُ فَلَمَّا خَلَقَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ”.
ومعرفة مقامات فاطمة الزهراء، التي هي النساء للنبي في آية المباهلة، وهي اهل بيت النبي في آية التطهير، وهي التي كانت أماً لرسول الله صلى الله عليه وآله فسماها ام ابيها، وهي التي كانت كلما دخلت عليها قام اليها، معرفة هذه المقامات تساعدنا كثيراً على الإيمان بها والإقرار لها.
-
فيم نقتدي بالزهراء
أرسل رجل زوجته أن تأتي إلى فاطمة، عليها السلام، وتسألها هل هو من شيعتها أم لا؟
فسألتها، فقالت: “قُولِي لَهُ إِنْ كُنْتَ تَعْمَلُ بِمَا أَمَرْنَاكَ، وَ تَنْتَهِي عَمَّا زَجَرْنَاكَ عَنْهُ، فَأَنْتَ مِنْ شِيعَتِنَا، وَ إِلَّا فَلَا“.
فَرَجَعَتْ، فَأَخْبَرَتْهُ، فَقَالَ: يَا وَلِيِّي، وَ مَنْ يَنْفَكُّ مِنَ الذُّنُوبِ وَ الْخَطَايَا، فَأَنَا إِذاً خَالِدٌ فِي النَّارِ، فَإِنَّ مَنْ لَيْسَ مِنْ شِيعَتِهِمْ فَهُوَ خَالِدٌ فِي النَّارِ.
فَرَجَعَتِ الْمَرْأَةُ، فَقَالَتْ لِفَاطِمَةَ مَا قَالَ زَوْجُهَا.
فَقَالَتْ فَاطِمَةُ: “قُولِي لَهُ، لَيْسَ هَكَذَا، شِيعَتُنَا مِنْ خِيَارِ أَهْلِ الْجَنَّةِ، وَ كُلُّ مُحِبِّينَا، وَ مُوَالِي أَوْلِيَائِنَا، وَ مُعَادِي أَعْدَائِنَا، وَ الْمُسْلِمُ بِقَلْبِهِ وَ لِسَانِهِ لَنَا، لَيْسُوا مِنْ شِيعَتِنَا إِذَا خَالَفُوا أَوَامِرَنَا وَ نَوَاهِيَنَا فِي سَائِرِ الْمُوبِقَاتِ، وَ هُمْ مَعَ ذَلِكَ فِي الْجَنَّةِ، وَ لَكِنْ بَعْدَ مَا يُطَهَّرُونَ مِنْ ذُنُوبِهِمْ بِالْبَلَايَا وَ الرَّزَايَا، أَوْ فِي عَرَصَاتِ الْقِيَامَةِ بِأَنْوَاعِ شَدَائِدِهَا، أَوْ فِي الطَّبَقِ الْأَعْلَى مِنْ جَهَنَّمَ بِعَذَابِهَا إِلَى أَنْ نَسْتَنْقِذَهُمْ بِحُبِّنَا مِنْهَا وَ نَنْقُلَهُمْ إِلَى حَضْرَتِنَا“.
أرسل رجل زوجته أن تأتي إلى فاطمة، عليها السلام، وتسألها هل هو من شيعتها أم لا؟
فسألتها، فقالت: “قُولِي لَهُ إِنْ كُنْتَ تَعْمَلُ بِمَا أَمَرْنَاكَ، وَ تَنْتَهِي عَمَّا زَجَرْنَاكَ عَنْهُ، فَأَنْتَ مِنْ شِيعَتِنَا، وَ إِلَّا فَلَا”.
نحن لم نخلق كما خلقت، ولم نمتحن كما امتحنت، ولن نصبر كما صبرت، ولكن علينا أن نتقدي بها حيث جعلت قدوة لنا، والناس في ذلك مختلفون، ولنقف عند ثلاثة موارد يجب علينا الإقتداء بفاطمة الزهراء فيها:
-
الأول: في عبادتها
فاطمة قدوة لنا في عبادتها، فهي التي كانت “إِذَا قَامَتْ فِي مِحْرَابِهَا زَهَرَ نُورُهَا لِأَهْلِ السَّمَاءِ كَمَا يَزْهَرُ نُورُ الْكَوَاكِبِ لِأَهْلِ الْأَرْضِ“، فقد قامت إلى ربها حتى تورمت قدماها.
شذرات من هذه العبادات والأدعية وصلتنا ومنه ما روي في كتاب دلائل الإمامة عن سلمان المحمدي أنه ارسله النبي الى دار فاطمة لحاجة، يقول: فَوَقَفْتُ بِالْبَابِ وَقْفَةً حَتَّى سَلَّمْتُ، فَسَمِعْتُ فَاطِمَةَ تَقْرَأُ الْقُرْآنَ مِنْ جَوَّا، وَ الرَّحَى تَدُورُ مِنْ بَرّا، مَا عِنْدَهَا أَنِيسٌ.
فَعُدْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، رَأَيْتُ أَمْراً عَظِيماً!
فَقَالَ: “هِيهِ يَا سَلْمَانُ، تَكَلَّمْ بِمَا رَأَيْتَ وَ سَمِعْتَ”.
فقص سلمان ما رآه فَتَبَسَّمَ رَسُولُ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ، وَ قَالَ: “يَا سَلْمَانُ، إِنَّ ابْنَتِي فَاطِمَةَ مَلَأَ اللَّهُ قَلْبَهَا وَ جَوَارِحَهَا إِيمَاناً إِلَى مُشَاشِهَا، فَتَفَرَّغَتْ لِطَاعَةِ اللَّهِ فَبَعَثَ اللَّهُ مَلَكاً اسْمُهُ رَوْفَائِيلُ فَأَدَارَ لَهَا الرَّحَى فَكَفَاهَا اللَّهُ مَئُونَةَ الدُّنْيَا مَعَ مَئُونَةِ الْآخِرَةِ”.
-
ثانياً: في إيثارها
فاطمة كانت من جنس الجنة، فلم ترد شيءاً من الدنيا قط، فهي وان أعطاها النبي فدكاً والحوائط السبع لكنّها لم تنل منها شيء، بل كانت تؤثر غيرها، أمّا وكان من ايثارها ما أنزل الله فيه سورة الدهر.
أما إيثارها في بيتها، فحين جاء أمير المؤمنين عليه السلام يطلب الطعام، قالت: “ما كانت إلا ما أطعمتك منذ يومين، آثرت به على نفسي”.
فقال: “ألا أعلمتني، فأتيتكم بشيء”؟!
فقالت: “يا أبا الحسين، إنى لأستحي من إلهي أن أكلفك ما لا تقدر عليه”.
-
ثالثا: اجتهادها في العمل
حين تزوجت فاطمة الزهراء كانت فاطمة بنت أسد عليها السلام أم أمير المؤمنين عليه السلام تعيش معهم في دار أمير المؤمنين، قسّم الإمام عليه السلام العمل بينها وبين أمه فقال: “يا أماه اكفي فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه سقيان الماء والذهاب في الحاجة وهي تكفيك الداخل أي داخل البيت الطحن والعجن”، ففرحت بذلك وعملت وهي بنت تسع سنين.
في أحد خرجت إلى رسول الله صلى الله عليه وآله تداويه، وفي الخندق كانت تأخذ الطعام إليه، وهكذا كانت مطببة علي حين يعود من المعارك وعليه جراحات الحرب، وكانت أم أولاده وهي تعمل جاهدة، وقد وصف ذلك امير المؤمنين عليه السلام فقال: “اسْتَقَتْ بِالْقِرْبَةِ حَتَّى أَثَّرَ فِي صَدْرِهَا وَ طَحَنَتْ بِالرَّحَى حَتَّى مَجِلَتْ يَدَاهَا وَ كَسَحَتِ الْبَيْتَ حَتَّى اغْبَرَّتْ ثِيَابُهَا وَ أَوْقَدَتِ النَّارَ تَحْتَ الْقِدْرِ حَتَّى دَكِنَتْ ثِيَابُهَا”.