إذا أردت أن يتحدث الله إليك فاقرأ القرآن، وإذا أردتَ أن تتحدث الى الله تعالى فاقرأ الدعاء. هذا هو ما تشير اليه بعض الأحاديث الشريفة. ولكن الدعاء – بشكل عام – عمل مستحب، إلا أنَّ هناك دعاءان يجب على المسلم أن يدعو بهما، أحدهما دعاء للغیر، والثاني دعاءٌ للنفس. دعاءان واجبان لو تركهما المسلم المصلي في موضع الوجوب لكانت صلاته باطلة.
فما هما الدعاءان الواجبان؟
الاول: (اللهم صل على محمد وآله محمد) في تشهّد الصلاة، وهذا دعاء للنبي الأعظم وأهل بيته عليه وعليهم أفضل الصلاة والسلام، وذلك عرفاناً لفضلهم علينا في حمل الرسالة الالهية لهداية البشرية الى الصراط المستقيم في الحياة، ودليل وجوبه في القرآن الكريم، حيث يأمرنا الرب المتعال بقوله: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا}. واستنبط الفقهاء من الآية الكريمة وجوب الصلاة على النبي وآله في الصلوات كلها وذلك من خلال سيرة النبي وأهل بيته الأطهار، الى جانب الأحاديث الشريفة المفسِّرة للقرآن الكريم.
الثاني: الدعاء الواجب للنفس في كل صلاة. وهو ما نقرأه في سورة الفاتحة الواجبة في كل صلاة: (اهدِنَا الصِّراطَ المُستَقِیمَ). فنحن ندعو الله تعالى كل يوم عشر مرات على الأقل وجوباً أن يهدينا الى الصراط المستقيم. صراط الذين أنعم الله عليهم، وليس صراط المغضوب عليهم ولا صراط الضالين.
من شروط الهداية الى الصراط المستقيم، أي الى عبادة الله تعالى هو الاعتصام بالله (ويقابل الاعتصام بالله اللجوء الى اعداء الله والى اولياء الشيطان)
والاحاديث المتواترة تؤكد أنَّ الصلاة بغیر فاتحة الكتاب باطلة، فقراءة الفاتحة واجبة في كل صلاة، حتى الصلوات المستحبة لا تكون صلاةً ان لم يقرأ المصلي فيها سورة الفاتحة (بالطبع يُستثنى من هذه القاعدة: صلاة الميت التي ليست فيها قراءة الفاتحة، وهي في الحقيقة دعاء وليس صلاة اصطلاحية).
إذن الدعاء الوحيد الواجب للنفس في كل الصلوات، هو طلب الهداية من الله الى الصراط المستقيم وهذا يكشف عن مدى أهمية أن يكون الانسان على الصراط المستقيم، ويكشف أيضاً مدى حاجة الانسان الى هداية الله الى هذا الصراط.
ولا تقتصر هذه الأهمية على الناس العاديين من أمثالنا فقط، بل هذه الأهمية تشمل الجميع بما فيهم الانبياء والرسل، فعلی سبيل المثال:
– يقول الله تعالى عن النبي إبراهيم عليه السلام: {وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ}.
– وعن سيد المرسلين نبينا الأعظم، صلى الله عليه وآله، يأمره الله تعالى بأنْ: {قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ}.
فما هو هذا الصراط الذي نحتاج – جميعاً – الى هداية الله لكي نسير عليه، وقد تكرر الحديث عنه في القرآن الكريم أكثر من ثلاثين مرة؟
بالتدبر في آيات (الصراط المستقيم) نستلهم البصائر التالية:
1- في عدد من الآيات يشير الله تعالى، وأيضاً انبياؤه ورسله الى أن الصراط المستقيم هو عبادة الله. لنقرأ هذه الآيات معاً:
– يقول الله سبحانه: {وَأَنِ اعْبُدُونِي هَٰذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ}. (يس:61).
– وعن لسان النبي عيسى عليه السلام يقول:
– {إِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَٰذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ}. (آل عمران:51).
– {وَإِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَٰذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ} (مريم:36).
– {إِنَّ اللَّهَ هُوَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَٰذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ}. (الزخرف:64).
في آيات من سورة المائدة نقرأ بأنّ من شروط الهداية الى الصراط المستقيم اتباع رضوان الله تعالى
2- إنَّ من شروط الهداية الى الصراط المستقيم، أي الى عبادة الله تعالى هو الاعتصام بالله (ويقابل الاعتصام بالله اللجوء الى اعداء الله والى اولياء الشيطان). في الآية 101 من سورة آل عمران نقرأ: {وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ}، وفي الآية 175 من سورة النساء: {فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَاعْتَصَمُوا بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِنْهُ وَفَضْلٍ وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا}.
3- وفي الآيات 150 – 153 من سورة الأنعام يذكر الله تعالى مجموعة من الاوامر والنواهي، مثل: النهي عن الشرك، لزوم الاحسان للوالدين، عدم قتل الاولاد خشية الاملاق، عدم اقتراف الفواحش والمنكرات الظاهرة والباطنة، عدم قتل النفس المحترمة، عدم المساس بمال اليتيم الا لمصلحة اليتيم، ولزوم الوفاء بالكيل والميزان في التعامل الاقتصادي، والالتزام بالعدل في القول، والوفاء بعهد الله …، بعد كل هذه الاوامر والوصايا والنواهي الهامة يقول تعالى: {وَأَنَّ هَٰذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}.
4- وفي آيات من سورة المائدة نقرأ بأنّ من شروط الهداية الى الصراط المستقيم اتباع رضوان الله تعالى، فمن يبتغي رضا عباد الله دون رضوان الله سبحانه لا يتوقع الهداية الى الصراط المستقيم. يقول تعالى: {قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ. يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ}.
إذن، فلكي يكون الواحد منا صادقاً في دعائه اليومي: {اهدِنَا الصِّراطَ المُستَقِیمَ} لابد أن يوفر شروط ومستلزمات الكون على هذا الصراط، وكل تلك الشروط والمستلزمات تُصنّف في دائرة العبودية لله تعالى، وتحت عنوان عبادة الله.