من يتتبع أحداث التاريخ بعد موت الرسول الأكرم، صلى الله عليه وآله، يعرف المآسي التي لحقت بأهل البيت، عليهم السلام بدءاً من الزهراء والإمام علي، عليهما السلام، ومرورا بإبنيهما الحسن والحسين، عليهما السلام، وتبعهم ابناؤهم في هذا الخط والطريق ذات الشوكة.
كان ذلك الظلم والجور هو بسبب معارضة هذه الثلّة لحكام الجور والطغيان، وما يعانيه شيعتهم ومحبيهم اليوم في شتى بقاع العالَم، هو لذات السبب، أو لأنهم يحبون أناسا اسمهم (آل محمد) صلوات الله عليهم.
من أبرز السمات التي عُرف بها أهل البيت، عليهم السلام هي هجرتهم، وابتعادهم عن الأهل والوطن، في سبيل الدين والرسالة، وكانت البداية من جدهم، النبي الأكرم، صلى الله عليه وآله، الذي ترك موطنه الذي ولد فيه ـ مكة المكرمة ـ بعد أن هجره الظالمون منه، ولجأ حينها الى المدينة المنورة.
وهكذا كان خط أهل البيت، عليهم السلام، بعد ان يُضيّق عليهم الحكّام الخناق، في سبيل ثنيهم عن المبادئ الحقة، فالإما الرضا عليه السلام، اُبعد عن مدينة جده رسول الله، صلى الله عليه وآله، وهجّر الى خرسان، كذلك أخته السيدة فاطمة المعصومة، سلام الله عليها، هي الأخرى ابتعدت عن ديار الأهل والأحبة، وذهبت بغية زيارة أخيها في مشهد، لكن الموت لم يمهلها، وتوفيت بقم، قبل ان تصل إليه.
من أبرز السمات التي عُرف بها أهل البيت، عليهم السلام هي هجرتهم، وابتعادهم عن الأهل والوطن، في سبيل الدين والرسالة، وكانت البداية من جدهم، النبي الأكرم، صلى الله عليه وآله، الذي ترك موطنه الذي ولد فيه
سليل الإمامة القاسم بن الإمام موسى بن جعفر الكاظم، عليه السلام، ـ والذي نعيش ذكرى وفاته هذا اليوم الثاني والعشرين من شهر جمادى الأولى ـ كان واحداً من تلك السلالة الطاهرة التي تعرضت الى الهجير والإختفاء القسري، نتيجة ملاحقة السلطات العباسية لكل من يمت لآل محمد بأي صلة، خصوصا ابناؤهم.
-
القاسم يهاجر الى الحلّة
بعد شهادة الإمام الكاظم، عليه السلام، سعت السلطات العباسية الى اعتقال كل العلويين والهاشميين، خوفا من الثأر للإمام المسموم، فجعل الرشيد يقطع الرؤوس ويقتلع العيون، ويبني الاسطوانات على أبناء الإمام علي، عليه السلام، وشردهم من البلدان.
-
وصول القاسم مدينه سورا اوشوشه
أورد الشيخ محمد مهدي الحائري، في كتابه شجرة طوبى، قصة وصول القاسم، بن الإمام الكاظم، عليه السلام، من “جملتهم ـ الذين تشردوا وهاجروا ـ القاسم ابن الإمام موسى بن جعفر أخذ جانب الشرق لعلمه إن هناك جده أمير المؤمنين جعل يتمشى على شاطئ الفرات وإذا هو ببنتين تلعبان في التراب، أحديهما تقول للأخرى لا وحق الأمير صاحب بيعة يوم الغدير ما كان الامر كذا وكذا، وتعتذر من الأخرى فلما رأى عذوبة منطقها قال لها من: تعنين بهذا الكلام قالت: أعني الضارب بالسيفين والطاعن بالرمحين أبا الحسن والحسين علي بن أبي طالب، عليه السلام، قال لها: يا بنية هل لك أن ترشديني إلى رئيس هذا الحي ؟ قالت: نعم إن أبي كبيرهم فمشت ومشي القاسم خلفها حتى أتت إلى بيتهم، فبقي القاسم ثلاثة أيام بعز واحترام”
-
القاسم يعمل ساقيا في بيت شيخ العشيرة
“فلما كان اليوم الرابع دنى القاسم من الشيخ وقال له: يا شيخ أنا سمعت ممن سمع من رسول الله أن الضيف ثلاثة وما زاد على ذلك يأكل صدقة وأني أكره أن آكل الصدقة وأني أريد أن تختار لي عملا أشتغل فيه لئلا يكون ما آكله صدقة فقال الشيخ: أختر لك عملا فقال له القاسم: اجعلني أسقي الماء في مجلسك فبقي القاسم على هذا إلى إن كانت ذات ليله خرج الشيخ في نصف الليل في قضاء حاجة له فرأى القاسم صافا قدميه ما بين قائم وقاعد وراكع وساجد فعظم في نفسه وجعل الله محبة القاسم في قلب الشيخ”.
سليل الإمامة القاسم بن الإمام موسى بن جعفر الكاظم، عليه السلام، ـ والذي نعيش ذكرى وفاته هذا اليوم الثاني والعشرين من شهر جمادى الأولى ـ كان واحداً من تلك السلالة الطاهرة التي تعرضت الى الهجير والإختفاء القسري
-
الشيخ يزوج القاسم ابنته
“فلما أصبح الصباح جمع عشيرته وقال لهم: أريد أن أزوج ابنتي من هذا العبد الصالح فما تقولون ؟ قالوا نعم ما رأيت فزوجه من أبنته فبقي القاسم عندهم مدة من الزمان حتى رزقه الله منها ابنة وصار لها من العمر ثلاث سنين”.
-
مرض القاسم ع ووصيته
“مرض القاسم مرضا شديدا حتى دنى أجله وتصرمت أيامه جلس الشيخ عند رأسه يسأله عن نسبه وقال: ولدي لعلك هاشمي قال له: نعم أنا بن الإمام موسى بن جعفر، عليه السلام، جعل الشيخ يلطم على رأسه وهو يقول: وا حيائي من أبيك موسى بن جعفر قال له: لا بأس عليك يا عم إنك أكرمتني وإنك معنا في الجنة يا عم فإذا أنا مت فغسلني وحنطني وكفني وأفني، وإذا صار وقت الموسم حج أنت وابنتك وابنتي هذه فإذا فرغت من مناسك الحج أجعل طريقك على المدينة فإذا أتيت المدينة أنزل ابنتي على بابها فستدرج وتمشي فامش أنت وزوجتي خلفها حتى تقف على باب دار عالية فتلك الدار دارنا فتدخل البيت وليس فيها إلا نساء وكلهن أرامل. ثم قضى نحبه فغسله وحنطه وكفنه ودفنه، فلما صار وقت الحج حج هو وأبنته وابنة القاسم فلما قضوا مناسكهم جعلوا طريقهم على المدينة”.
-
بنت القاسم الى المدينة
“فلما وصلوا إلى المدينة أنزلوا البنت عند بابها على الأرض فجعلت تدرج والشيخ يمشي خلفها إلى أن وصلت إلى باب الدار فدخلت فبقي الشيخ وأبنته واقفين خلف الباب وخرجن النساء إليها واجتمعن حولها وقلن من تكونين؟ وابنة من؟ فلما قلن لها النساء: ابنة من تكونين؟ فلم تجبهم إلا بالبكاء والنحيب فعند ذلك خرجت أم القاسم فلما نظرت إلى شمائلها جعلت تبكي وتنادي وا ولداه وا قاسماه والله هذه يتيمة ولدي القاسم فقلن لها من أين تعرفينها إنها ابنة القاسم قالت: نظرت إلى شمائلها لأنها تشبه شمائل ولدي القاسم ثم أخبرتهم البنت بوقوف جدها وأمها على الباب”.
-
المعاناة المتجددة
كما عانى أهل البيت، عليهم السلام، جراء حملات التهجير القسري، يعاني شيعتهم من بعدهم، وبنظرة الى التأريخ الشيعي من بعد غيبة ولي الله صاحب العصر والزمان ـ عجل الله تعالى فرجه ـ فإن هذه الحملات المسعورة لم تتوقف. وما يعانيه أتباع أهل البيت، عليهم السلام، في العراق واليمن وسوريا ولبنان..، ما هو إلا إمتداد لتلك المعاناة.
والمآسي التي يعاني منها الموالون مثلت تحديا لتحقيق الأهداف الرسالية التي سعوا من أجلها تحقيقها، فالرسالي لا ينظر الى هذه الهجرة أو الغربة بعين ساخطة، أو قلب مشمئز، فالهجرة هي محطة كاملة للتغيير.