-
أهمية الاسرة ودورها في مواجهة الحرب الناعمة
تعد الاسرة من اهم المرتكزات المجتمعية التي يقوم عليها البناء الاجتماعي، وقد ارسى الاسلام دعائمها، ودعا للحفاظ عليها، من خلال الكثير من التشريعات التي تحفظ للأسرة كيانها المستقل وتمنع الاخرين من الاعتداء عليها، وعبر عن الزوجية بالحصن تشبيهاً لها بالحصن، أو السور الذي يحمي المدينة، ويحافظ على ساكنيها، ويمنع الاعتداء عليها، وقد شدد العقوبة على من يخترق ذلك الحصن للحفاظ على الانساب والاعراض.
يقول القران الكريم: {وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا}(18)، فالرجل خلق متكامل مع الأنثى ولذلك فهو لا يسكن إلا إليها، ومن مظاهر السكن، إن كل شخص يشعر بنقص حتى يكتمل بالزواج، وهنا يكون بإمكان الطرفين تكميل حياتها معا، فإذا تمكن الذكر من توفير: القوة، والعزيمة، وخشونة التحدي للحياة المتكاملة، فان الأنثى توفر لها الرحمة، والعاطفة، ونعومة الرفق، وكل ما هو ضروري للتعاون(19).
وقد حرص دعاة العولمة لنشر القيم الغربية والامريكية، لتمزيق الاسرة واضعافها، من خلال العمل على إفساد الجيل الحاضر، بكشف الحجاب أو تشويهه، وإخراج المرأة بوضع مأساوي مبتذل تحت شعار التحضر ليفسد الرجال كذلك، وينغمسوا في شهواتهم وتدمير جيل المستقبل، فمن الواضح أن الجيل المعاصر إذا فسد ودُمر، فإن الجيل المستقبلي سيفسد أيضاً، ولهذا فان تلك القوى العالمية تكثف جهودها الافسادية وتشن حربها الناعمة على الاسرة وتعمل على افسادها ونشر الميوعة والتبذل فيها، فبعض المدارس الغربية ترى عدم الحاجة الى تكوين الاسرة، وهناك من يرى ان تكوين الاسرة أمر خاطئ(20).
الأسرة في مجتمعاتنا العربية والإسلامية تتعرض لمحاولات كثيرة من أجل صياغتها وإدراجها في مشاريع القوى الإستكبارية التي تُرسم للأمة، فالحرب الناعمة تمثل في إطار هذه المشاريع شكلاً جديداً من أشكال الحروب الشيطانية التي تخاض بطرق وأساليب خفية وخبيثة، وصولاً إلى إسقاط الأمة من الداخل بأيدي أبنائها، وذلك بعد تفكيك وتقويض مكامن القوة فيها، لذلك لا بد من استخدام أساليب وآليات العصر، لا أن يكون الرد وفق أساليب وآليات الرد الثقافي والإعلامي الكلاسيكي، وكما يرى احد المفكرين” أنّ وسائل الإعلام في هذا العصر لها قدرة تدميرية تعادل القنبلة الذرية”. و” أن التبليغ الصحيح للإسلام بكل أبعاده وتجلياته يعتبر عنصراً هاماً جداً للتوعية في زمن الفتن”(21).
هناك قوة ناعمة كبيرة وظفت من قبل الادارة الامريكية لتغيير المنظومة القيمية العراقية، المنبعثة من القيم الدينية والعشائرية
الاسرة هي الكيان المهم في مواجهة الحرب الناعمة، وهي أحد أهم نقاط قوة الأمة، وهي من أهم المؤسسات المجتمعية المهمة والمؤثرة التي تستهدفها العولمة الامريكية بصورة مستمرة، وصولاً إلى تفكيكها وتغيير نمط عيشها ومسارها وتقويض الثقة واللحمة والترابط الذي يسود بين أفرادها، ويعد دور الآباء والأمهات دوراً كبيرا وخطير في تحقيق الوحدة والانسجام والترابط المتين داخل الأسرة. فإذا كان كيان الأسرة متيناً في المجتمع وراعى كل من الزوج والزوجة حقوق بعضهما بعضاً، وكان لهما أخلاق حسنة وانسجام أحدهما مع الآخر، وواجهوا المشاكل معاً واهتموا بتربية أطفالهما فإن هذه الاسرة كفيلة بإصلاح المجتمع وإيصاله إلى ساحل النجاة.
إنّ الأسرة المثقلة بمبادئ الإسلام وقيمه عملياً، والمتأسية برسول الله، وأهل بيته الطاهرين صلوات الله عليهم أجمعين، وتضحياتهم، وجهادهم، هي أسرة محصّنة وعصّية على الاختراق، بل هي من خلال مزاولتها لأعمالها العبادية اليومية تكون في حال من التدافع، والمواجهة التلقائية مع أي أمر يتعارض مع ما تحمله وتعيشه من مبادئ وأفكار، إضافة إلى أن حال التنبه، واليقظة، والترابط، والوعي بالمسؤولية الذي يسود بين أفرادها يشكل السياج الحساس والرادع. ولذا فإنّ الأسرة، في إطار الالتزام السليم، ستكون بمثابة الحصن المنيع الذي لا بد أن تتحطم على أعتابه كل المكائد والمخططات الخبيثة والخفية التي يحيكها دعاة الحرب الناعمة(22).
من المهم جدا احياء العادات والتقاليد العربية التي تتوافق مع القيم الدينية، التي تمثل مصادر قوة ناعمة للمجتمعات العربية
-
الاستنتاجات: وقد توصل البحث الى عدة استنتاجات أهمها:
- هناك قوة ناعمة كبيرة وظفت من قبل الادارة الامريكية لتغيير المنظومة القيمية العراقية، المنبعثة من القيم الدينية والعشائرية.
- عمل الادارة الامريكية على عولمة القيم الامريكية لتغيير السلوك، ومن تغيير المنظومة القيمية في المجتمعات الاسلامية.
- دعم منظمات المجتمع المدني الداعية الى نبذ القيم العراقية الاصيلة، واشاعة الاخلاقيات والسلوكيات المنحرفة في المجتمع من امثال الشذوذ الجنسي وغيرها.
- دور منصات التواصل الاجتماعي الكبير في تغيير المنظومة القيمية، من خلال بث عشرات الآلاف من المواقع والصفحات الداعية الى رفض القيم الدينية والاخلاقية والعشائرية ولو بصورة غير معلنة.
- توظيف مصادر القوى الناعمة الامريكية التي ذكرها جوزيف ناي وغيره، لجذب المجتمعات الاسلامية، ومن ثم العمل على اقناعها لكي يتم تغيير السلوك فيما بعد.
- وتوقعات البحث ان الكثير من المجتمعات الاسلامية سوف تتأثر بالقوة الناعمة الامريكية، كما جرى في مسألة التطبيع مع اسرائيل، فبعد ان كانت رافضة له تجد الكثير ممن يروج له ويعده ضرورة لمصلحة الشعوب العربية.
- سعي الولايات المتحدة الامريكية من خلال الحرب الناعمة لسلب ثروات الشعوب، والسيطرة على مصادر قرارها السياسي.
-
التوصيات: لقد توصل الباحث الى جملة من التوصيات:
- ينبغي العمل على تحصين المجتمعات الاسلامية للمحافظة على المنظومة القيمية، ويجب ان تكون من خلال المحافظة على الاسرة، ومكانتها في المجتمع.
- تنمية القيم الاسلامية الاصيلة التي تعرضت للهجمة القوية من قبل الحرب الناعمة الغربية عموما، والامريكية خصوصاً.
- احياء العادات والتقاليد العربية التي تتوافق مع القيم الدينية، التي تمثل مصادر قوة ناعمة للمجتمعات العربية.
- يجب ان يكون لمؤسسات الدولة، ومنظمات المجتمع دورا كبيراً في مواجهة الحرب الناعمة، من خلال المؤسسات التربوية، والثقافية من خلال التعريف بهذه الحرب وخطورتها على المجتمع.
- ينبغي الاستفادة من الوسائل والتقنيات التي يستخدمها العدو للتمكن منها، والتحذير من خطورتها.
- العمل على اظهار القوة الناعمة الاسلامية عموماً، والعراقية خصوصاً لمواجهة القوة الناعمة الامريكية وحربها على قيمنا الدينية الاصيلة.
- العمل على اسلمة التعليم بجميع مراحله، وعصرنته بما يتلاءم مع تطورات العصر.
- العمل على تطوير الاعلام، ورفع كفاءته، وايجاد النموذج البديل، لحمل راية الدفاع عن القيم الاسلامية.
————————————————————
الهوامش:
- سورة الاعراف، آية 189.
- المرجع السيد محمد تقي المدرسي، من هدى القران، ج3، ط2( بيروت، دار القارئ، 1429هـ- 2008م) ص152.
- الشيخ حسين مظاهري، أخلاقيات العلاقة الزوجية، ط1 (بيروت، دار التعارف للمطبوعات، 1414هـ- 1994م) ص 130.
- السيد علي الخامنئي، نقلا عن عفان الحكيم، دور الأسرة في مواجهة الحرب الناعمة، مقال على الرابط الالكتروني: https://momahidat.org/essaydetails.
- المصدر السابق.