لماذا نجد القرآن الكريم عندما يذكر أي حقيقة يذكر الله تعالى؟
لأمرين:
الاول: الحقائق تتصل بعضها بالآخر وتتسامى الى أن تصل الى الله تعالى، فإليه المنتهى والرجعى، ومعرفتها ـ الحقائق ـ حق المعرفة لا تكون إلا بمعرفة الله.
الثاني: جميع الحقائق وسيلتنا الى الله تعالى إن أردنا معرفته. الكثير من الناس يعيشون في هذه الحياة وهم في غفلة عن ربهم، عمن خلقهم، ويدبر شؤونهم، ومن إليه مصير العالم أجمع، وبيده لا بيد غيره الخير الذي يريده الكل، وبيده أيضا الشر الذي لا نستطيع الهرب منه. هذه الحقائق كلها تكون وسيلة لمن أوتي فهما صحيحا، وبها يصل الى الله تعالى.
من أجل أن يصل الإنسان الى التقوى، وهي قمة سامقة في عباد الله تعالى، ومن أجل أن ينتمي الفرد الى حزب المتقين، فإن عليه أن يعبد الله جل شأنه، وعبادة الله طريقنا الى التقوى
- التقوى جوهر العبادة
ومن أجل أن يصل الإنسان الى التقوى، وهي قمة سامقة في عباد الله تعالى، ومن أجل أن ينتمي الفرد الى حزب المتقين، فإن عليه أن يعبد الله جل شأنه، وعبادة الله طريقنا الى التقوى، لأن الخلاص من عذاب جهنم مرهون بالتقوى، كذلك فإن التقوى تخلّص الإنسان من ضغوط الشهوات، وضغوط المجتمع.
فإذا عبدنا الله عبادةً حقيقية وصلنا الى مرحلة التقوى، فقوله تعالى: {لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}، يرجى أن من خلاص العبادة الخالصة للرب الوصول الى مرحلة التقوى. يقول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}، وفي هذه الآية خطاب عام، لذلك لم يقل ـ على سبيل المثال ـ، {يآيها الذين اتقوا}، لان درجة التقوى التي يجب يصل إليها الإنسان، لابد أن يقطع قبلها مراحل شتى.
- ما هي حقيقة العبادة؟
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمْ} العبادة تعني: أن يصبح الإنسان خاضعا متواضعا متضرعا، فالعلاقة بين يننا وبين الله ليست كأي علاقة عادية، أو علاقة الإنسان بإنسان آخر، فهو الذي خلقنا، وهو الذي رزقنا واطعمنا …، فالعلاقة الحقيقية مع الله تقوم على التواضع.
ولهذا فإن الإنسان أقرب ما يكون الى الله ـ تعالى ـ عند السجود، لأن حالة السجود تعبير عن التواضع الكامل لله، لأنه ـ الإنسان ـ يضع أقدس ما عنده على التراب وهو الجبهة. والسجود في حقيقته في لقاء بين العبد وربه، يقول الإمام الصادق عليه السلام – لما سأله سعيد بن يسار -: أدعو وأنا راكع أو ساجد؟ -: فقال: “نعم ادع وأنت ساجد، فإن أقرب ما يكون العبد إلى الله وهو ساجد، ادع الله عز وجل لدنياك وآخرتك”.
ويقول الإمام الرضا عليه السلام: “أقرب ما يكون العبد من الله عز وجل وهو ساجد، وذلك قوله تبارك وتعالى: {واْسْجُدْ واقْتَرِبْ}“.
والآية في قوله تعالى: {واْسْجُدْ واقْتَرِبْ} تهدينا: إلى أن السجود معراج البشر إلى الله، فإذا سجدت اقتربت إلى الله، بلى، أليس ذات الإنسان فقر وعجز وذلة، أوليس يتحسس البشر هذه الحقيقة عند السجود، عندما يضع ناصيته فوق التراب تذللا؟ وإذا عرف الإنسان حقيقة نفسه رفع حجاب الكبر الذي يفصله عن معرفة ربه، واستشعر بفيض نوره يغمر فؤاده.
كذلك فإن حالات الضراعة التي يواجهه الإنسان فيها خطرا داهما لا يستطيع عنه فرارا، فإن الحُجُب التي بين الإنسان وربه تتساقط، وفي هذه الحالة يكون كل توجه الإنسان الى الرب العظيم، الذي سيكون هوالملجأ والمنجي الوحيد. والعبادة بشكل عام هي مقرّبة وموصلة الى الله تعالى.
سُئِلَ مَوْلَانَا الصَّادِقُ، عَليْهِ السَلامُ عَنِ اللَّهِ ؟
فَقَالَ لِلسَّائِلِ: “يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ، هَلْ رَكِبْتَ سَفِينَةً قَطُّ “؟
قَالَ: بَلَى .
قَالَ: “فَهَلْ كُسِرَ بِكَ حَيْثُ لَا سَفِينَةَ تُنْجِيكَ، وَ لَا سِبَاحَةَ تُغْنِيكَ”؟
قَالَ: بَلَى .
قَالَ: “فَهَلْ تَعَلَّقَ قَلْبُكَ هُنَاكَ أَنَّ شَيْئاً مِنَ الْأَشْيَاءِ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يُخَلِّصَكَ مِنْ وَرْطَتِكَ”؟
قَالَ: بَلَى .
قَالَ الصَّادِقُ: “فَذَلِكَ الشَّيْءُ هُوَ اللَّهُ الْقَادِرُ عَلَى الْإِنْجَاءِ حِينَ لَا مُنْجِيَ، وَ عَلَى الْإِغَاثَةِ حِينَ لَا مُغِيثَ”.
إن جوهر تكامل الشخصية الإيمانية تكون عبر العبادة الخالصة لله تعالى، ونحن إذ نواجه الكثير من الضغوط النفسية والإجتماعية، فإن العبادة والاتصال بالله تعالى هو السبيل الوحيد الى رفع تلك الضغوط
واليوم والعالَم يواجه فايروس كورونا، فإننا بأمس الحاجة بالعودة الصادقة الى الله تعالى، فهو الذي بيده ملكوت السموات والأرض، وفي ايطاليا الذي تفشى فيه الفايروس التاجي بشكل كبير، وبعد اليأس من ايجاد حلٍّ من قبل الحكومة، خرج الناس وقالوا: “أن حلول الأرض قد انتهت وننتظر حلَّ السماء”!
قد تعتري الإنسان حالة من اليأس والقنوط بسبب الغفلة او قساوة القلب، لكن عليه أن لا ييأس، فالله تعالى يحب عبده اذا أناب إليه، وتوجه إليه بعبادة ملؤها الإخلاص والتقوى. والدعاء هو من الأعمال العبادية التي تزرع الأمل عند الإنسان وتبقي على العُلقة بينه وبين الله تعالى.
يقول الإمام علي عليه السلام – في وصيته لابنه الحسن عليه السلام -: “اعلم أن الذي بيده خزائن ملكوت الدنيا والآخرة قد أذن لدعائك، وتكفل لإجابتك، وأمرك أن تسأله ليعطيك، وهو رحيم كريم، لم يجعل بينك وبينه من يحجبك عنه، ولم يلجئك إلى من يشفع لك إليه، ثم جعل في يدك مفاتيح خزائنه بما أذن فيه من مسألته، فمتى شئت استفتحت بالدعاء أبواب خزائنه”.
إن جوهر تكامل الشخصية الإيمانية تكون عبر العبادة الخالصة لله تعالى، ونحن إذ نواجه الكثير من الضغوط النفسية والإجتماعية، فإن العبادة والاتصال بالله تعالى هو السبيل الوحيد الى رفع تلك الضغوط؛ ومن الأعمال العبادية المهمة؛ مضافا الى ما سبق، صلاة الليل، وقراءة القرآن، يقول رسول الله صلى الله عليه وآله: “عليكم بقيام الليل فإنه دأب الصالحين قبلكم، وإن قيام الليل قربة إلى الله، ومنهاة عن الإثم”. وعن الإمام عنه عليه السلام: “صلاة الليل تبيض الوجه، وصلاة الليل تطيب الريح، وصلاة الليل تجلب الرزق”. ويقول أحد الصالحين: “إذا أردت الدنيا فعليك بصلاة الليل، وإذا أردت الآخرة فعليك بصلاة الليل”.
—————————————–
- مقتبس من محاضرة للمرجع المدرسي.