“لا تغضب” عنوان يتألف من حرف” لا” الناهية، و الفعل (تغضب)، و الفاعل المستتر و تقديره: أنت؛ فالتقدير: أنت لا تغضب. أما العنوان الآخر لهذا العنوان، فهو العمل به، و هو أن لا تغضب؛ فخذ هذا العنوان، و انطلق للعمل به في حياتك مع من شئت، ستكون في سلم و سلام، و أمن و أمان؛ أنت و كل من حولك، دون خوف، أو وجل. و قد فسروا الغضب بأنه: “غليان دم القلب بهدف الإنتقام”.
لا تغضب مع زوجتك، و لا مع أبنائك، و لا مع والديك، و لا مع إخوانك و إخوتك، و لا مع أقربائك، و لا مع أصدقائك، و لا مع جيرانك، و نحوهم؛ لأنه يخشى أن تنتقم منهم.
و الزوجة لا تغضب مع زوجها، و لا مع أبنائها و بناتها، و لا مع والديها، و لا مع أقربائها، و نحوهم؛ لأنه يخشى أن تنتقم منهم.
إن النفس الأمارة بالسوء تجعل الإنسان مشروع جريمة، و العياذ بالله، و إن معظم الذين قاموا بجرائم، بعضها بحق أقرب المقربين لهم، كانوا أناساً أسوياء مثلنا قبل إرتكابهم لجرائمهم. في لحظة الغضب و فورة الغضب، يتحول الرجل الوديع إلى مجرم قاتل، و تتحول المرأة اللطيفة إلى مجرمة قاتلة؛ ثم يواجهان مصيرهما المحتم؛ الإعدام، أو السجن المؤبد.
في عهد النبوة، دخل رجل مدني واع ٍ على الرسول الأعظم، صلى الله عليه وآله، في المسجد، و طلب منه نصيحة مختصرة جداً يسهل عليه حفظها، و يسهل عليه، بالتالي، العمل بها؛ فقال: يا رسول الله؛ عظني؛ فقال، صلى الله عليه وآله، له:
” لا تغضب“.
خرج الرجل من المسجد فرحا بهذه الوصية القيمة؛ و لكنه سرعان ما رجع ليحصل على نصيحة أخرى؛ و قال ثانية: يا رسول الله؛ عظني؛ فكرر، صلى الله عليه وآله، العبارة ذاتها عليه، و قال له: “لا تغضب“.
خرج الرجل من المسجد ثانية؛ و لكنه سرعان ما رجع ليحصل على نصيحة ثالثة؛ و قال ثالثة: يا رسول الله؛ عظني. فكرر، صلى الله عليه وآله، العبارة ثالثة؛ و قال له: “لا تغضب“. فأخذ ذلك الرجل هذا العنوان، و انطلق ليعمل به برنامجا في حياته.
إذن؛ فعنوان” لا تغضب، لا تغضب، لا تغضب” – في الواقع – موعظة نبوية شريفة، ليست لذلك الرجل المدني الواعي فحسب؛ بل لنا جميعا؛ فردا فردا. و لكن؛ هب أنك غضبت من شخص ما، أو من موقف ما ؛ فماذا تفعل لإخماد فورة غضبك ؟
إذا غضبت و أنت قائم؛ فاجلس. و إذا غضبت و أنت جالس؛ فاضطجع. و إن لم تزل عنك فورة الغضب؛ فتوضأ بالماء البارد، و اغتسل به؛ فإن النار لا يطفئها إلا الماء؛ كذا ورد في الأحاديث الشريفة، و لا ننسى – بطبيعة الحال – الإستعاذة بالله من الشيطان الرجيم دائما، و في موارد الغضب على وجه الخصوص.
و كم هو جميل، حقا، أن يدخل الواحد منا بيته، و يجد أمامه مباشرة، وفي مكان بارز، لوحة مزينة بعنوان هذا التوجيه النبوي الشريف :” لا تغضب، لا تغضب، لا تغضب”.
لنجرب هذه التجربة البسيطة جدا؛ و سنرى، حتما، كيف أنها تقضي على الكثير من المشاكل، و الخلافات، و المشاحنات، و كيف أنها تحد من وقوع الكثير من الجنح، و الجرائم، و الجنايات.