أسوة حسنة

مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ والحرب الصليبية الجديدة

  • مقدمة قرآنية

القرآن الحكيم ليس كتاباً مؤلفاً من حروف وكلمات، بل هو منظومة متكاملة من القِيم السماوية التي أنزلها الخالق لتربية هذا المخلوق المكرَّم على خالقه سبحانه وتعالى، فهو برنامج تربوي راقي جداً يُربي الإنسان الفاضل (التقي)، والأسرة النقية، والمجتمع الراقي الذي يبني الحضارة الإنسانية الرائعة على أسس العدل في الحكم، والقسط في المجتمع، هذه الصحيفة النورانية جاء فيها وصف محمد بن عبد الله بقوله تعالى: (مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ)، أي أنه اكتفى به رسولاً لخلقه وكان كل الأنبياء والمرسلين قبل مبشرين به، كما قال السيد المسيح عيسى بن مريم لبني إسرائيل: {وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ}. (سورة الصف: 6).

ومن أعظم الآيات التي وصفت ذاك الرسول العظيم هي قوله تعالى: {الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آَمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}. (الأعراف: 157).

فكانت عظمة الرسالة الخاتمة بإخراج الناس من الظلمات، والجهل والتخلف والجاهلية، إلى بحبوحة الأنوار العلم، والتقدم، والحضارة الإنسانية، ولم يتم ذلك بالقوة، أو السيف كما يُرجف المرجفون الدجالون، بل كان بالحكمة والموعظة الحسنة، وبالأخلاق الراقية جداً لرسول الله، صلى الله عليه و آله، الذي قال القرآن عنها: {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ}، فبالخُلُق العظيم لرسول الله، صلى الله عليه وآله،  انتشرت دعوته، وفتح القلوب لمحبته، ومودته، وإلتفاف الناس حوله، والرضا به حتى من أعدى أعدائه في قريش الظالمة الجاهلة المشركة.

 

الإيمان بالله والمعرفة به؛ ففي كل قضية تلجأ البشرية إليه وهو يلجأ إلى الله عز وجل، وفي كل ليلة كان، صلى الله عليه وآله، يقوم ثلاث مراتٍ ليعبد ربّه، ويستلهم من عبادته الشيء الكثير من العزم والصمود

 

  • أكرم وأشرف مخلوق

هذا البرنامج الرَّباني أنزله الله على أكمل وأشرف مخلوق خُلق، بل هو علة الخلق والإيجاد، لأنه خُلق من نور ذات الله تعالى، ولمكانته وكرامته على الله أودعه في صلب آدم وأمر الملائكة بالسجود لآدم كرامة لهذا النور المودع فيه، فخفي عليهم ذلك فاعترضوا، ولما أخبرهم بهم وعلَّمهم بأسمائهم سجدوا كلهم أجمعون إلا إبليس الذي كان معهم وليس منهم، لأنه مخلوق جني ناري، والملائكة مخلوقون من النور وليس من النار.

ففي حديث طويل وجميل قال رسول الله، صلى الله عليه وآله: “ما خلق الله خلقاً أفضل مني ولا أكرم عليه مني. قال علي (عليه السلام): فقلتُ: يا رسول الله فأنت أفضل أم جبرئيل؟

فقال: يا علي إن الله تبارك وتعالى فضَّل أنبيائه المرسلين على ملائكته المقربين وفضَّلني على جميع النبيين والمرسلين، والفضلُ بعدي لك يا علي وللأئمة من بعدك، وإن الملائكة لخدامنا وخدام محبينا.. يا علي الذين يحملون العرش ومن حوله يسبحون بحمد ربهم ويستغفرون للذين آمنوا بولايتنا.. يا علي لو لا نحن ما خلق الله آدم ولا حواء ولا الجنة ولا النار ولا السماء ولا الأرض

ثم إن الله تبارك وتعالى خلق آدم فأودعنا صلبه وأمر الملائكة بالسجود له تعظيما لنا وإكراما وكان سجودهم لله عز وجل عبودية ولآدم إكراماً وطاعةً لكوننا في صُلبه فكيف لا نكون أفضل من الملائكة وقد سجدوا لآدم كلهم أجمعون“. (بحار الأنوار: ج 11 ص140).

هذا الحديث الشريف وأحاديث النور التي لخَّصها حديث جابر بن عبد الله قال: قلت لرسول الله (صلى الله عليه وآله): أول شيء خلق الله تعالى ما هو؟ فقال: “نور نبيك يا جابر، خلقه الله ثم خلق منه كل خير“، وقال له أيضاً: “أول ما خلق الله نوري، ابتدعه من نوره، واشتقه من جلال عظمته“. (بحار الأنوار: ج 15 ص24).

هذا هو رسول الله، صلى الله عليه وآله، الذي لا يستطيع معرفته البشر، وذلك لجهلهم بأنفسهم، ومحدوديتهم في ذواتهم، وحدود الزمان والمكان، والإمكانيات الذهنية والعقلية، فكيف للمحدود أن يُحيط بالمحيط؟ فمعرفته صلوات الله عليه وآله بأهل بيته الأطهار الأبرار، عليهم السلام، الذين خُلقوا من نوره، وعظمته، ولذا قال، صلى الله عليه وآله: “يا علي، ما عرف الله إلا أنا وأنت، وما عرفني إلا الله وأنت، وما عرفك إلا الله وأنا“. (مختصر بصائر الدرجات: 125، تأويل الآيات الظاهرة: 1/139/18).

 

  • الإيمان والمعرفة هي السِّر

جميل ما يقوله سماحة السيد المرجع المدرسي (حفظه الله): “إن الإنسان عندما يدرس حياة النّبي، صلى الله عليه وآله، بفكره البسيط والمحدود فإنّه لا يستطيع أن يستوعب ما أحدثه من تغييراتٍ جوهريةٍ في العالم، لقد كان مبعثه، صلى الله عليه وآله، إيذاناً بحدوث أمواجٍ هائلة القوة ومتصاعدة في حياة البشرية، فما هو النور الوهاج الذي أضاء قلبه ليُضيء معه العالم أجمع؟

إنّه الإيمان بالله والمعرفة به؛ ففي كل قضية تلجأ البشرية إليه وهو يلجأ إلى الله عز وجل، وفي كل ليلة كان، صلى الله عليه وآله، يقوم ثلاث مراتٍ ليعبد ربّه، ويستلهم من عبادته الشيء الكثير من العزم والصمود”، (فالمعرفة الحقَّة، والإيمان المطلق بالله تعالى هو ذلك النور الذي أضاء الكون).

ولكن ما هي الوسيلة إلى ذلك النور والإيمان كما يُبينه جناب السيد المرجع؟ فيقول: “إنّني هنا أريد أن أوجِّه أنظار القراء الكرام إلى هذه النقطة بالذات، فلقد نسينا الله سبحانه، وفي طليعة الأشياء التي نسيناها بعد الله تعالى أنفسنا كما قال عز وجل: {نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ} (الحشر: 19)، وهذا يعني إننا إذا نسينا الله فإننا سوف ننسى قدراتنا وطاقاتنا وكرامتنا.. فنحن لم نبتل بما ابتلينا به لحد الآن من مآسٍ وويلاتٍ، ومن تجبر المستكبرين في الأرض، وضغوط الطواغيت، وفساد المفسدين إلا بعد أن نسينا خالقنا وبارءَنا.

 

المشكلة في الأمة الإسلامية المرحومة، والتي صارت هدفاً لكل ساخط، وغرضاً لكل مريض مسلول في صدره، أو معلول في عقله، فيأتي ليُناطح جبال القيم والفضيلة في هذه الأمة، ذات الحضارة الغارقة في عمق الزمن

 

وعلينا الآن أن نعود إلى الله، والى عبادته عبادةً حقيقيةً، والتضرع إليه تضرعاً نابعاً من القلب، فالله عز وجل لا يمكن أن ينخدع – وحاشاه أن ينخدع – بهذه الصلوات الجوفاء، والعبادات الفارغة، والشعائر القشرية، هذه لا يمكن أن تنفع أمتنا شيئاً لا في الدنيا ولا في الآخرة، والشيء الوحيد الذي ينفعنا هو الحقيقة واللّب؛ فالله تعالى لا يطلب منّا كثرة الصلاة والصيام، بل قلباً خاشعاً، وعيناً دامعةً، وسلوكاً مستلهماً من إيماننا الحقيقي به”.

ثم يُؤكد سماحته على هذه القضية الجوهرية المنسية: “ولذلك فإنّي ألفت الأنظار إلى هذه الحقيقة المنسية ونحن نعيش المأساة في كل مكانٍ، فقد تظاهرت الدنيا علينا وكادت المؤامرات تخنقنا، فهناك الآن أكثر من ألف مليون مسلمٍ يعيشون تحت ألوانٍ من العذاب في كل مكان، ومثل هذه الظروف تدعونا إلى أن نعود إلى الله تعالى، وأنْ نصفِّي قلوبنا، ونطهِّرها من الأحقاد والضغائن، ليكون ما بيننا وبين الله عامراً، وهو عز وجل بدوره سيُصلح ما بيننا وبين الآخرين”. (النبي محمد (ص) قدوة المؤمنين؛ السيد محمد تقي المدرسي: ص25).

 

  • الهجمة الصليبية المسعورة

فالمشكلة في الأمة الإسلامية المرحومة، والتي صارت هدفاً لكل ساخط، وغرضاً لكل مريض مسلول في صدره، أو معلول في عقله، فيأتي ليُناطح جبال القيم والفضيلة في هذه الأمة، ذات الحضارة الغارقة في عمق الزمن، ليأتي مثل هذا الرجل الصهيوني ويُريد أن يُبيدها ويستأصلها، فيقول: “نحن نواجه فكر آخر، تماماً كما واجهنا من قبل النازية والفاشية والإمبريالية والشيوعية، هذا هو فكر الإسلام، وهو سرطان خبيث داخل جسد مليار شخص على وجه هذا الكوكب، ويجب استئصاله”.

واليوم يأتينا رجل آخر يتزعم بلاد التحلل والسقاطة ليتطاول على أسِّ الطُّهر والطهارة في هذه الدنيا رسول الله محمد، صلى الله عليه وآله، وذلك بحجة سمجة ودعوى حقيرة باطلة (حرية الرأي)، فهل يجرؤ هذا الرجل على أن ينبث ببنت شفَّة ضد اليهود، والهولوكست، أو ضد أي زعيم ديني كالبابا في الفاتيكان، أو دنيوي كسيده المعتوه في واشنطن، أو جاره المجنون في لندن، أو مَنْ هم أمثاله، فهل سيقبل هذا المدَّعي بذلك، وبذات الحجة (حرية الرأي

ولهذا قال ذاك السياسي الغربي، وزير خارجية فنلندا: “أنا لم أعد أفهم شيئاً.. فعندما نسخر من شخص أسود يقولون: هذه عنصرية.. وعندما نسخر من يهودي يقولون لنا: هذه معاداة للسامية، وحتى عندما نسخر من امرأة يقولون: أنت ضد الجنس الآخر.. ولكن عندما نسخر من مسلم فهذه هي حرية التعبير”.

نعم؛ كلهم لديهم مقدسات ومقدسين محترمين إلا المسلمين، فرسول الله، صلى الله عليه وآله، وكتاب الله، وأمة تُشكِّل ربع سكان المعمورة ليس لديهم لا قداسة ولا مقدس ولا تقدسي، في نظر رجالات العالم المتحضِّر اليوم، كالصبي الأرعن في فرنسا، ولكن ليس هو المُلام لأنه ما عرف الإسلام والذي يُلام هي أمة الإسلام التي لم تتحد وتتخذ موقفاً موحداً يردع كل متطاول على مقدساتها، وتسعى لسنِّ قوانين عالمية يمنع أي ساقط يتجرَّأ على مقدَّس من مقدساتها، ولديها من الأسلحة ما تجعله يتمرَّغ في التراب وتحت أقدام المسلمين ليرضوا عنه ولا يرضوا عنه إلا ليُحاكم.

فالمقاطعة بكل أنواعها وأشكالها وسحب السفراء وطرد سفرائه، وقطع كل أشكال التعامل معه ورفع دعوى قضائية بحقه لأنه تطاول على الإسلام والمسلمين، وهذا مع ما يجب أن يُرافقه من فتاوى بحقه كفتوى السيد الخميني (رحمه الله) بحق المرتد سلمان رشدي الملعون.

عن المؤلف

الحسين أحمد كريمو

اترك تعليقا