-
مقدمة أدبية
آه.. أيُّها الباب العجيب!
يا باب فاطمة كم وقف عليك علَّة الخلق والإيجاد؟!
يا باب فاطمة كم وقف عليك رحمة الله المُهداة ليَهدي العباد إلى عظمتك وحُرمتك؟!
يا باب فاطمة؛ أنت باب الله، وباب رسول الله، وباب ولي الله، وباب الرحمة والخير كله في هذه الدنيا، وهذه الحياة، فأنت باب الحياة القِيَمِية، والفضيلة، والحضارة الإنسانية..
يا باب فاطمة؛ أما علمتْ تلك الأمة الجاحدة مَنْ وراءك، حتى دفعوك، ورفسوك، وضربوا مَنْ خلفك فصاحت تلك الصيحة مستجيرة متألمة: “يا فضة اسنديني فقد أسقطوا جنيني“؟
آه.. لو كان لك يدين ورجلين يا باب فاطمة لكنتَ دفعتَ عنها أولئك الطغاة الذين هجموا عليك وجاؤوا بالحطب الجذل ليحرقوك، ولما قالوا للرجل: إن خلفك فاطمة! قال: وإنْ.. وا ويلاه ماذا فعلت هذه ال (وإنْ) في قلوبنا وفي تاريخ الأمة الإسلامية، بل وتاريخ الإنسانية جمعاء، أي قولةٍ قالها أبو حفص وافتخر بها شاعر النيل بعمرياته حيث يقول:
وَقَـــولَةٍ لِعَـــلِيٍّ قـــالَهـــا عُـــمَـــرٌ *** أَكـرِم بِـسـامِـعِهـا أَعـظِـم بِـمُلقيها
حَـرَقـتُ دارَكَ لا أُبـقـي عَـلَيـكَ بِها*** إِن لَم تُبايِع وَبِنتُ المُصطَفى فيها
مـا كـانَ غَـيـرُ أَبي حَفصٍ يَفوهُ بِها*** أَمــامَ فــارِسِ عَــدنــانٍ وَحـامـيـهـا
يا الله؛ هل يُمكن أن يبلغ بنا الحضيض والتسافل إلى هذا المستوى من السقوط؛ بأن نفتخر بأعظم وأكبر مخزاة، وجريمة في هذه الدنيا؟! هل يُعقل أن نفتخر بحرق بيت الهُدى والنور، وباب الرَّحمة الرَّبانية، الذي كان يقف عليه رسول الله (ص) تسعة أشهر ولا يدخله إلا بإذن لأن الله أمره بذلك، ويأتي مثل هذا المأفون ليفتخر بتلك المحرقة، ويعيبون على داعش والكفر الداعشي في هذا الزمان، فقريش الظالمة هي منبع الدَّواعش وكفرهم وتكفيرهم يا أمة الإسلام؟
-
باب فاطمة بابي
باب بيت علي وفاطمة هو الباب الوحيد الذي فتحه الله إلى بيت الله ومسجد رسول الله، صلى الله عليه وآله، حينما أغلق جميع الأبواب إلا ذاك الباب، حيث قال رسول الله حين احتجَّ عليه رجال قريش، كما يروي الإمام الحسن المجتبى عليه السلام، فيقول: “أمر رسول اللَّه بسدّ الأبواب الشَّارعة في مسجده غير بابنا، فكلّموه في ذلك، فقال رسول الله: إنّي لم أسدّ أبوابكم وأفتح باب عليّ من تلقاء نفسي، ولكنّي أتّبع ما يوحى إليّ، وإنّ اللَّه أمر بسدّها وفتح بابه، فلم يكن من بعد ذلك أحد تصيبه جنابة في مسجد رسول اللَّه، ويولّد فيه الأولاد غير رسول اللَّه وأبي عليّ بن أبي طالب؛ تَكرمةً من اللَّه تعالى لنا، وفضلاً اختصّنا به على جميع الناس“. (آمالي الطوسي: ج 2 ص 871).
كان لموت الرسول، صلى الله عليه وآله، أثر عميق وبليغ في فؤاد فاطمة، عليه السلام، حتى أنها ما رُؤيت مبتسمةً بعده قط، إلاّ حين نَعَى إليها نفسَها، حيث علمت باقتراب أجلها وحلول ميعاد الالتحاق بأبيها
والعجيب الغريب أن المجاميع الروائية تروي هذه الحادثة والحديث لدى الفريقين عن سعد، وابن عباس، سمرة، وجابر، وأمير المؤمنين عليه السلام، ولم ينتبهوا أنهم يُقحمون اسم العباس بن عبد المطلب وهو لم يكن في المدينة أصلاً، بل كان في مكة المكرمة، وأُسر في يوم بدر، فكيف يكون هو المعترض على رسول الله، فالمعترض غيره، والذي طلب منه خوخة، وآخر محجر فقط فلم يسمح لهم به، فنسبوها إلى عمِّ الرسول، صلى الله عليه وآله، بمحاولة لطمِّ الحقيقة وتضييع تلك الفضيلة التي اختصَّ بها أهل البيت، عليهم السلام دون الصحابة لا سيما المعترضين.
هذا باب فضيلة ورحمة وبركة فتحه الله تعالى، ولذا كان يقف عليه رسول، الله صلى الله عليه وآله، على مرأى ومسمع من المسلمين وأهل المدينة جميعاً والصحابة منهم خصوصاً لأنهم يرون فعل النبي مكرراً لستة، أو تسعة أشهر في كل يوم، أو عند كل صلاة ويقف على ذلك الباب ويأخذ بعضاضتيه وينادي برفيع صوته وعذوبة منطقه: الصلاة رحمكم الله؛ {إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا}. (الأحزاب: 33 ، الحاكم الحسكاني في شواهد التنزيل ج: 1 ص 497).
ألم يسمعوا بذلك، ويرونه في كل تلك المدة المديدة؟ فكيف يجرؤون على الوقوف عليه بالغضب، ويحاولون اقتحامه بالقوة والغصب، هذا عدا عن الحطب وحرقه بالنار والعياذ بالله؟!
فعن الإمام الصادق عليه السلام قال: “لَمّا حضَرَت رسولَ الله الوفاةُ دعا الأنصارَ وقال: يا معشرَ الأنصار، قد حان الفراق .. ألا فاسمعوا ومَنْ حضر، ألا إنّ فاطمة بابُها بابي، وبيتها بيتي، فَمَنْ هتكه فقد هتك حجابَ الله!.
وفي رواية أخرى قال عيسى بن المستفاد وقد نقل ذلك عن الإمام أبي الحسن الكاظم عليه السلام: “فبكى أبو الحسن طويلاً وقطع بقيّةَ كلامه، وقال: “هُتِك واللهِ حجابُ الله، هُتِك والله حجابُ الله، هُتِك واللهِ حجابُ الله!”. (الطُّرَف للسيّد ابن طاووس:18).
أي والله لقد هتكوا حجابه، وأحرقوا بابه، واغتصبوا حقه، ودينه، وكتابه، ورسالته، طمعاً في الدنيا وبهرجها وزبرجها اللامع البرَّاق، لا سيما الحكم والسلطان، ففعلوا كل ما فعلوه ليصلوا إلى الكرسي أياماً معدودات، ولكن غيَّروا وجه التاريخ كله، وادخلوا الأمة في دوامة من الفتن، وفي متاهة لن يخرجوا منها إلى أن يرث الله الأرض ومَنْ عليها، بسبب ذلك التكالب على الدنيا فحرفوا الدِّين الحنيف عن أهله، أهل البيت الأطهار الأبرار، عليهم السلام الذين جعلهم الله أمناءه على الدِّين والرسالة وتفسير وتأويل القرآن الحكيم.
-
باب فاطمة باب الولاية العلوية
لن يستطيع أحد أن يفهم ما جرى في أيام شهادة رسول الله، صلى الله عليه وآله، من رفض القوم للخروج مع جيش أسامة بن زيد، ورغم اللعنة النبوية التي نزلت بهم مراراً وتكراراً، وإخراجهم بالقوة من المدينة كما في رواية وشهادة حذيفة بن اليمان العالم بأسماء المنافقين حيث قال في خطبته: “فأمر قيس بن عبادة وكان سياف رسول الله، والحباب بن المنذر في جماعة من الأنصار يرحلوا بهم إلى عسكرهم، فأخرجهم قيس بن سعد والحباب بن المنذر حتى ألحقاهم بعسكرهم، وقالا لأسامة: إن رسول الله لم يرخص لك في التخلف، فسر من وقتك هذا ليعلم رسول الله ذلك، فارتحل بهم أسامة وانصرف قيس والحباب إلى رسول الله، فأعلماه برحلة القوم، فقال لهما: (إن القوم غير سائرين)”.
وفعلاً لم يرحلوا بل توقفوا ورجعوا إلى معسكرهم في الجرف، واستأذنوا أسامة في الدخول إلى المدينة ليلاً، فأذن لهم فلما دخلوا المدينة قال رسول الله، صلى الله عليه وآله: “لقد طرق ليلتنا هذه المدينة شرّ عظيم، فقيل له: وما هو يا رسول الله؟ فقال: إنّ الذين كانوا في جيش أُسامة قد رجع منهم نفر مخالفون على أمري، ألا إنّي إلى الله منهم بريء، ويحكم نفّذوا جيش أُسامة، فلم يزل يقول ذلك حتّى قالها مرّات كثيرة“.
باب بيت علي وفاطمة هو الباب الوحيد الذي فتحه الله إلى بيت الله ومسجد رسول الله، صلى الله عليه وآله، حينما أغلق جميع الأبواب إلا ذاك الباب
وحاول الرجل أن يحتل مكان رسول في صلاته، ورفض المسلمون الصلاة خلفه، ولذا خرج رسول الله، بين علي والفضل بن العباس ورجلاه تخطان الأرض من شدَّة المرض لينقذ الموقف ويُثبِّت الحق، تقدّم رسول الله صلّى الله عليه وآله، فجذب أبا بكر من ورائه فنحّاه عن المحراب، وأقبل أبو بكر والنفر الذين كانوا معه فتواروا خلف رسول الله، صلّى الله عليه وآله، وأقبل الناس فصلّوا خلف رسول الله، وهو جالس وبلال يُسمع الناس التكبير حتّى قضى صلاته، ثمّ التفت فلم يرَ أبا بكر فقال: “يا أيّها الناس لا تعجبوا من ابن أبي قحافة وأصحابه الذين أنفذتهم وجعلتهم تحت يدي أُسامة، وأمرتهم بالمسير إلى الوجه الذي وُجهوا إليه، فخالفوا ذلك ورجعوا إلى المدينة ابتغاء الفتنة، ألا وانّ الله قد أركسهم فيها“. (إرشاد القلوب للديلمي: ج2ص237، بحار الأنوار: ج 28 ص108).
ويقول سماحة السيد المرجع المدرسي (حفظه الله) في وصف تلك الأيام: “كان لموت الرسول، صلى الله عليه وآله، أثر عميق وبليغ في فؤاد فاطمة، عليه السلام، حتى أنها ما رُؤيت مبتسمةً بعده قط، إلاّ حين نَعَى إليها نفسَها، حيث علمت باقتراب أجلها وحلول ميعاد الالتحاق بأبيها.
فما زالت فاطمة بعد أبيها معصَّبة الرأس، ناحلة الجسم، منهَّدة الرُّكن، يُغشى عليها ساعة بعد ساعة، وبلغ بها البكاء على أبيها أنَّ أهل المدينة شكوا إلى أمير المؤمنين أمرها واقترحوا عليها أن تبكي إما ليلاً أو نهاراً، بيد أنها لما سمعت بذلك اشتد بكاؤها وأبت إلاّ أن تبكي على والدها أبداً، حتى تلتحق به، وأضافت بأنه ما أقل مكثي بين أظهرهم.
وقد كان لبكاء فاطمة أثر ديني، كما كان لمنع أهل المدينة مغزى سياسي، كانت فاطمة تبكي فتُلفت أنظار العالم إلى أنها هي المخصوصة بالنبي صلى الله عليه وآله؛ وهي بقيَّته في الأرض، ومنها نسله الطاهر المطهَّر، وأولادها أولاده إلى أبد الآبدين، وكان لمنع أهل المدينة لها من البكاء تحدٍّ لهذا البيت – بيت أمير المؤمنين – الذي يحمل أعباء حفظ الرسالة بعد النبيِّ، وتحدٍّ للنبيِّ ولكل ما جاء به عن ربَّه، بدأوا يظهرونه مرةً بعد مرة إلى أن انتهى بأخذ فدك، ونهبها وغصبها”. (فاطمة الزهراء (ع) قدوة وأسوة: ص28).
هكذا فعلوا بك يا باب العز والشرف والفخر، يا باب الهدى والنور والذخر..