يترعرع الإنسان في احضان أسرته من يوم ولادته الى بلوغ سن الرشد، فينشأ وينمو جسميا وعاطفيا وعقليا، ويصاحب هذا النمو مسارات متعددة ومتنوعة، ويُتطلب من الأسرة إشباع حاجات الطفل العاطفية والعقلية، لتكتمل بذلك مسيرته النموية كما يُراد لها، أما إذا حدث خلل في أحد هذه الإشباعات، فإن شخصية الطفل تتزعزع، وتبنى على قاعدة هشَّة، ملؤها الخوف والفشل واليأس والإحباط.
وتختلف إشباعات الأطفال بإختلاف شخصياتهم، فالذكر له إحتياجات غير احتياجات الأنثى، فالذكر يمتاز بالخشونة، والتجلّد، والعقلانية في اتخاذ القرارات تجاه مختلف القضايا التي تعترض طريقه، بينما الانثى، فهي العنصر اللطيف الناعم، من أبرز سماته العاطفة الشديدة، والميل الى الحب والحنان أكثر من الرجل، والإهتمام بجوانب تربية الطفل..
صحيح أن الأبناء ـ ذكورا وإناثا ـ بشكل عام يحتاجون الى رعاية واهتمام عاطفي، لكن البنت تحتاج ذلك بشكل أكبر، وأكثر مما يُقدم الى الذكر، لأنها تشكل الجانب العاطفي المرهف في المجتمع، شديدة التأثر، ولهذا ولابد من رعايتها، والمحافظة عليها من تلقبات الأجواء المختلفة.
فنشوء المرأة كبنت في بيت أبيها، أو كزوجة وأم في بيت زوجها، بحاجة إلى أن تعيش كريمة ومحترمة، لأن هذا الإحترام سيثمر مستقبلا في حياتها، ومن هنا فإن منح الكرامة اللازمة له الأثر الكبير في بناء شخصية المرأة، وإشعارها بأنها رقم مهم في البيت العائلي.
المسؤولية الكبيرة تلقى على عاتق الأسرة بشكل مضاعف، من خلال مختلف البرامج والأنشطة البيتية، للخروج بنسبة ولو قليلة بشخصية مستقرة، بعيدة عن التشظي المجتمعي
-
أهمية منح الكرامة للطفل
عندما جيئ بيوسف، عليه السلام، الى ملك مصر، قال هذا الملك لامرأته: {أَكْرِمِي مَثْوَاهُ}، والمثوى هو المقام، فكان كريما عزيزاً ـ وبعيداً عن أنه نبي من أنبياء الله، وأن لطف الله قد شمله ـ فإن الكرامة التي مُنحت له كان له دور كبير في بناء شخصيته، وتنشئته بالمستوى المطلوب، وهذا ما إنعكس على دوره حين أخذ مقاليد الحكم في مصر.
وتلك هي مريم بنت عمران، التي كانت النذر العظيم وهي في بطن إمها، فأصبحت المرأة العظيمة، وأمّا لنبي من أنبياء الله الخمسة أولي العزم.
وهذه هي السيدة الزهراء عليها السلام، التي تربت على الكرامة والإحترام الكامل من أبويها، فكانت أم المؤمنين خديجة رضوان الله عليها، الأم المربّية والمعلمة والمُلهمة لبنتها الصديقة الطاهرة، التي ستكون في المستقبل أمّا لأبيها، تراعه، وتغدق عليه العطف والحنان، حتى وصل المقام برسول الله، صلى الله عليه وآله، أن يطلق عليها (أم أبيها).
والسيدة الزهراء نفسها هي التي ربت أبنتها زينب، فكانت تلك المرأة العظمية، الحاملة لهموم الثورة وتطلعاتها بعد مقتل أخيها الإمام الحسين، عليه السلام.
-
المرأة ومتطلبات الأمن النفسي
تنبع أهمية توفير الأمن النفسي للمرأة أكثر من غيرها، نتيجة الموقع الإجتماعي الذي تتسنمه، فهي الأم المدبرة لشؤون البيت، وهي الأخت المعلمة لإخوتها الصغار، وهي القدوة لأبنائها واحفادها..، وقد تأخذ دوراً خارج البيت، كأن تكون طبيبة، أو مدرّسة …، أو أي عمل يتناسب مع شخصيتها وقابلياتها النفسية والجسمية، ففي علاقتها الزوجية ـ والتي تعتبر أطول علاقة بين شخصين ـ فهي بحاجة الى إنجاح هذه العلاقة، لما لها من تبعات نفسية وتربوية على البيت الأسري، وعلى المحيط الإجتماعي، فالبيت الزوجي عبارة عن مؤسسة مصغّرة لها أهدافها التي تروم الوصول إليها، كتربية الأبناء تربية صالحة، وإنشاء جيل متسلح بالوعي والبصيرة، والوالدن وخصوصا الأم بحاجة كبيرة الى توافق نفسي عالي، من أجل تحقيق هذه الأهداف.
والإستقرار الزوجي يمنح المرأة الفرص الكثيرة في بناء شخصيتها، لأن الأسرة إذا خلت من المحبة، والاحترام بين الزوجين، وتحول البيت الى ساحة حرب بين الأب والأم، فإن ذلك يحول من ديموية الحياة الزوجية كما ينبغي لها أن تكون.
فتحمل المرأة لمسؤوليات التربية والتعليم في البيت يكسبها مهارات وخبرات جديدة، وهذا ما ينمي عندها الشعور بالثقة بالنفس، والخروج من حالات الفشل، وهذا هو أحد الطرق لتحصيل الأمن النفسي عند المرأة.
نشوء المرأة كبنت في بيت أبيها، أو كزوجة وأم في بيت زوجها، بحاجة إلى أن تعيش كريمة ومحترمة، لأن هذا الإحترام سيثمر مستقبلا في حياتها
-
كيف نحقق الأمن النفسي للمرأة؟
مما لا شك فيه أن الشعور بالأمن النفسي حالة إنسانية فطرية واجتماعية، وضرورة لابد من توفرها ولو بنسبة معينة، “ذلك من أجل بناء الشخصية الإنسانية الإيجابية والمتكاملة لأن انعدامه يؤدي إلى تفاقم الاضطرابات النفسية، وتدهور في الصحة النفسية ويقال له الأمن الشخصي الخاص أو السلم الشخصي، حيث يشعر الإنسان بالأمن والأمان والاستقرار والطمأنينة، ويسعد في عمله ينتج ويبدع ويمارس حياته الطبيعة، والأمن النفسي يهتم بالصحة النفسية ويؤسس لها ويرتبط بالشعور والإحساس ارتباطاً وثيقاً”(شبكة الإنترنت).
وتقع المسؤولية بدءاً من العائلة، وتحديد من الأب والأم، فهما المسؤولان الرئيسيان في توفير الأمن النفسي لأبنائهما، فمنح الكرامة اللازمة للأطفال، وإشعارهم بالاحترام الكافي، كتعظيم الطفل، والقاء التحية عليه، ومصافحته، وعدم التركيز على اخطائه ـ خصوصا في السنوات الخمس الأولى من عمره ـ يمنحه الشعور الكامل بأنه شيء في هذه الحياة.
والأمن النفسي ينقسم الى قسمين؛ داخلي وخارجي، وكلاهما يرتبط إرتباطا عضويا بالأخر، فالداخلي نابع من النفس، أما الخارجي فهو يتأتى من البيئة التي يعيش فيها الإنسان، وقد أثبت علم النفس أن الطفل يتأثر بالمحيط من حوله، فإذا كانت العائلة قد أوجت السعادة في أرجاء البيت، فإن ذلك ينعكس على شخصية الطفل إيجابا.
ولأن من متطلبات الأمن النفسي ايجاد البيئة الآمنة والمستقرة، إلا أن هذا غير موجود في مجتماعتنا بسبب الظروف السياسية والاقتصادية ..، ولهذا لا يمكن التعويل على أي حكومة في إيجاد البيئة المستقرة حاليا، في ظل الأزمات الخانقة والمتلاحقة التي تعيشها بعض دولنا العربية والإسلامية.
“لقد ركزت النظريات الإنسانية في الأمن النفسي على الجوانب المادية فقط في الحياة، الأمر الذي أدى إلى ظهور اتجاهات حديثة بين بعض علماء النفس، تنادي بأهمية الدين في الصحة النفسية والتكيف الاجتماعي، وترى أن الإيمان بالله قوة خارقة تمد الإنسان بطاقة روحيه تعينه على تحمل مشاق الحياة، وتجنبه القلق الذي قد يتعرض له كثير من الناس الذي يعيشون في هذا العصر الحديث التي يسيطر عليه الإهتمام الكبير بالحياة المادية والتنافس الشديد، من أجل الكسب المادي، والذي يفتقر في الوقت نفسه الى الغذاء الروحي ويجعله عرضة للإصابة بالأمراض النفسية”.( الدكتورة أمينة منصور ـ مستشارة نفسية وتربوية).
ومن هنا فإن المسؤولية الكبيرة تلقى على عاتق الأسرة بشكل مضاعف، من خلال مختلف البرامج والأنشطة البيتية، للخروج بنسبة ولو قليلة بشخصية مستقرة، بعيدة عن التشظي المجتمعي.