يقول الله تعالى: {وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلاً إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ * وَقَالُوا أَآلِهَتُنَا خَيْرٌ أَمْ هُوَ مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلاَّ جَدَلاً بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ * إِنْ هُوَ إِلاَّ عَبْدٌ أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ وَجَعَلْنَاهُ مَثَلاً لِبَنِي إِسْرَائِيلَ}. (سورة الزخرف/ آية 57).
وجهُ الإنسان يُفصح عن شخصيته، والوجيه هو الذي يُحترم عند الناس، لأن وجهه محترم، والوجاهة نعمة من الله سبحانه وتعالى، ولكن لماذا نبحث عن الوجاهة؟
إذا كان زكاة العلم نشره، وإذا كان للمال زكاة إنفاقه، فإن للوجاهة أيضا زكاة تتمثل في بذلها في سبيل الخير، فإذا كان الإنسان وجيهاً في قومة وجاء أحدهم لطلب حاجة، وقمت بقضاء هذه الحاجة بأي شكل من الأشكال، فإنك قد أديت زكاة وجاهتك.
الإنسان المؤمن عندما يصبح حسينياً في الأقوال والأفعال، يكون وجيها عند الله، وهذه الوجاهة تتجلى بحب الله تعالى لعبده المؤمن، ومن آثار هذ الحب أن الله تعالى يجعل دعاء عبده مستجابا، في أهله، وأخوانه المؤمنين
وكما في الأمور الدنيوية، كذلك في الأمور الأخروية، فالله تعالى جعل لنا أبوباً لرحمته، ولنيل الرحمة الإلهية لابد من الدخول من هذه الأبواب، لأن الله سبحانه تعالى يقول: {وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا}، ويقول في آية أخرى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}.
فنبي الله عيسى بن مريم، عليهما السلام، كان وجيها عند الله، وكان مثلا لبني اسرائيل، فكان القدوة والأسوة، والمثال لكل خير، ووجاهته تمثلت بالتوسل به، حين قبل الله شفاعته، وقضائه لحوائج الناس، وكما كان عيسى وجيها، كان سائر الانبياء، وأعظمهم نبينا الأكرم محمد، صلى الله عليه وآله، فالله تعالى أعطاه رتبةً لم يعطها لأحد من خلقه، وهي درجة الوسيلة، أن جعله الله طريقاً لقضاء حوائج الناس.
يقول الله جل وعلا، متحدثا عن نبيه الأكرم: {وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمْ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّاباً رَحِيماً}، فهو وسيلة للإستغفار، وكذلك أهل بيته الطاهرين عليهم السلام.
فالإمام الحسين عليه السلام هو إحدى الوسائل الى الباري جل شأنه، ولهذا نقرأ في سياقات زيارة عاشوراء: ” اللّهُمَّ اجْعَلْنِي عِنْدَكَ وَجِيها بِالحُسَيْنِ عَلَيْهِ السَّلامُ فِي الدُّنْيا وَالآخِرةِ”، وهذه رتبة عظيمة، وحينما يسأل الإنسان المؤمن ذلك، ضمن فقرات هذه الزيارة المباركة، فإن ذلك يعني أن بإمكانه أن يصبح شفيعا، بالوجاهة التي يحصل عليها بوصوله الى هذه الرتبة.
وبعد هذه الفقرة نقرأ: ” يا أَبا عَبْدِ الله إِنِّي أَتَقَرَّبُ إِلى الله وَإِلى رَسُولِهِ وَإِلى أَمِيرِ المُؤْمِنِينَ وَإِلى فاطِمَةَ وَإِلى الحَسَنِ وَإِلَيْكَ بِمُوالاتِكَ وَبِالبَرائةِ مِمَّنْ قاتَلَكَ وَنَصَبَ لَكَ الحَرْبَ”
فالتقرب الى الله هنا تعالى يكون بحب الإمام الحسين، وحب جده وأبيه وأمه وأخيه، صلوات الله عليهم جميعا، ومعاداة اعدائهم وهذه هي إحدى الوسائل الى الله تعالى، لأن كل واحد منهم وجيه عند الله تعالى، فهم عنوان الوجاهة والشفاعة.
فالإنسان المؤمن عندما يصبح حسينياً في الأقوال والأفعال، يكون وجيها عند الله، وهذه الوجاهة تتجلى بحب الله تعالى لعبده المؤمن، ومن آثار هذ الحب أن الله تعالى يجعل دعاء عبده مستجابا، في أهله، وأخوانه المؤمنين، فيكون من أدعيته: {رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاًّ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ}، وعندما يدعُ لوالديه يكون دعاؤه: {رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ}.
إذا كان زكاة العلم نشره، وإذا كان للمال زكاة إنفاقه، فإن للوجاهة أيضا زكاة تتمثل في بذلها في سبيل الخير
والإنسان المؤمن يُصبح وجيها بالإمام الحسين عليه السلام، بسبب بكاؤه عليه، وهذا البكاء هو الطريق الى حب الإمام الحسين، وبدوره كان الحبُّ وسيلة الى إتباع منهج الإمام عليه السلام، وبالتالي أصبح هذا الإنسان حسينياً قلباً وقالبا. في الروح والعمل، والسلوك والأخلاق.
ورسول الله صلى الله عليه وآله يقول: “أحب الله من أحب حسينا”، فأنت تحب من يحبه الله، وذلك الحب يصل إليك عبر الإمام الحسين، عليه السلام، وعندما يحب اللهُ الإنسان، فإنه ـ أي الإنسان المؤمن ـ لا يبحث عن السعادة لنفسه فقط، وإنما يبحث عن السعادة للكل، فبالوجاهة التي يمتلكها عند الله تعالى، فهو يدعو للكل، للفقير، والمريض، والمحتاج..، هذا في الدنيا، أما في الآخرة، فإن المؤمن يشفع في فئام من الناس.
فمن خلال قراءتنا لهذه الزيارة، والاستمرارعليها، فإننا نبحث عن رتب عالية، وهناك من المؤمنين من كان مستمرا على قراءة هذه الزيارة، فكانوا في تقدم نحو الباري جل وعلا.