تشكّل المعتقدات جذور الأساس في تصرفاتنا المختلفة، فما من حركة يخطوها الإنسان ويترجمها على ارض الواقع بشكل عملي، إلا وكان وراء ذلك العمل خلفية فكرية وثقافية تدفعه الى ذلك العمل، فالإنسان الذي تنطوي نفسه على ايحاءات سلبية، ونظرة قاتمة تجاه كل شيء في الحياة، ترى آثار ذلك في سلوكياته المختفلة والمتناقضة، وسرعة اتخاذ القرارات الآنية واللامدروسة، في المقابل نرى ذلك الذي يحمل رؤية واضحة عن الواقع، ويعلم أن الحياة تكتنفها الصعوبات بين الحين والآخر، وأن هناك أملا بالتغيير ـ مع العمل ـ تراه رابط الجأش، رزين في تعامله مع الأحداث والمتغيرات من حوله.
ومن هنا تنشأ أهمية الثقافة والمعتقد الذي يحمله الفرد، ومدى فاعلية هذا الفكر في توجيه طاقات الأفراد، وتفعليها في مكانها الصحيح، لأن من المعتقدات تولد أعمالنا، ومن هذه الأعمال تتكوّن عاداتنا المختلفة، والتي هي محور نمو الشخصية، التي تحدد مصير صاحبها، فإذا كانت العادات خيّرة وسليمة، فإنها ستقود صاحبها إلى كل التقدم والنمو المتزايد، أما اذا كانت عادات خاطئة، فستكون النتيجة وخيمة، وكما يقال في علم المنطق: “النتائج تتبع المقدمات”.
-
أمور جزئية ونتائج مذهلة
“تغير مصير الفريق الانجليزي للدراجات ذات يوم من العام 2003. كانت المنظمة القائمة على إدارة شؤون سباق الدراجات الاحترافية في بريطانيا، قد عيّنت مؤخراً ديف برسلفورد كي يكون مدير الأداء الجديد.. آنذاك، وكان لمتسابقي الدراجات في بريطانيا تاريخ متواضع على مدار مائة عام، ومنذ العام 1908، لم يفز المتسابقون إلا بميدالية ذهبية واحدة في الألعاب الأوليمبية، وكان أداؤهم سيئاً في أكبر سباق الدرجات، سباق طواف فرنسا، وخلال مئة وعشرة أعوام لم يفز أي درّاج بريطاني بذلك السباق مطلقا.
هناك عشرات الآلاف من الناس الذين غيّروا عاداتهم، وهم في أعمار مختلفة، فتغيّرت أحوالهم
عُيَّن برسلفورد كي يضع سباق الدراجات البريطانية على مسار جديد..، وما جعله مختلفاً عن المسؤولين السابقين، كان التزامه الذي لا يلين باستراتجية كان يشير إليها باستراتجية (تراكم المكاسب الهامشية)، وهي عبارة عن فلسفة تقضي بالبحث عن التحسينات الهامشية البسيطة في كل شيء تفعله. يقول بريلسفود: “جاء ذلك المبدأ من فكرة أنك لو استطعت تجزئة كل شيء يمكنك التفكير في ما يتعلق بركوب الدراجات، ثم حسنّته بمقدار 1%، فستحصل على زيادة كبيرة في الأداء حين تقوم بتجميع كل الأجزاء معاً”. (العادات الذرية لجميس كلير).
ولهذا يمتلك كل إنسان أموراً هامشية تقوده الى أفضل النتائج المبهرة، وهذه الأمور الهامشية هي العادات البسيطة التي لا يلتفت لها كثير من الناس، لأن البعض يظن أن تحقيق الأمور الكبيرة، كتغيير عادة سئية مثلا، يتطلب عملا كبيراً.
في حين أن تغيير ولو بنسبة 1%، من عادة سيئة، فإن التراكم لهذا التغيير سيكون اقتلاع تلك العادة السيئة، فالذي يريد أن يفقد عدة كيلوات، فإن ذلك لا يحدث بين عشية وضحاها، ولا يكون أيضا ببذل طاقة كبيرة من التمارين المُجهدة في يوم واحد.
-
عادات بسيطة تخلق اموراً عظيمة
تتكون العادات عند الإنسان من أعمال يمارسها على مستوى اليوم الواحد، ويرى العبض ان هذه الاعمال بسيطة، في حين أن تراكمها على مدى أسابيع وشهور ستتحول تلك الأعمال الى عادات يمارسها الإنسان في حياته اليومية، ولا تكون نتائج هذه العادات واضحة المعالم إلا بعد سنوات، سواء أكانت عادة سيئة أم حسنة.
“يصعب إدراك هذا المفهوم في الحياة اليومية، فنحن عادة لا نضع في الحسبان التغييرات الضئيلة لأنها تبدو غير ذات أهمية كثيراً في اللحظة الحالية. فإذا ادخرت مبلغا ضئيلا الآن، فلن تصير مليونيراً الآن. وإذا ذهبت الى صالة التدريبات البدنية لثلاثة أيام متعاقبة، فلن تصل الى الشكل المنشود الآن، وإذا ذاكرت اللغة الصينية لمدة ساعة فلن تتعلم اللغة الآن. فنحن نقوم بتغييرات بسيطة، غير أن النتائج لا تأتي سريعا، ومن ثم فنحن نعود الى سلوكياتنا القديمة المعتادة. (العادات الذرية لجميس كلير).
-
هل يمكن تغيير عاداتنا؟
يقول الإمام علي، عليه السلام: “بغلبة العادات الوصول إلى أشرف المقامات”. ما من إنسان لا يروم أن يصل الى مقامٍ عالٍ، ويشار إليه بالبنان، سواء كان على المستوى الدنيوي أو الأخروي، فإن ذلك منوطٌ بتغيير عادات سيئة كان قد اكتسبها، فمن يريد قطع مراحل مختلفة من التعليم، فإن ذلك يتطلب منه أن يتخلص من الكسل الذي كان قد اعتاد عليه في صغره، وأن يقلّل من توافه الأمور التي تشغله عن غاية، من قبيل قضاء ساعات طوال خلف شاشة الهاتف المحمول.
إن أبسط دليل على أن العادات قابلة للتغيير، هو أننا رأينا بعض من حولنا قد تغيروا الى الأحسن، وغيّروا من عادات كانت قد استحكمت عليهم، فهناك مَن كان غضوباً، قد تحول بفضل إرادته الى حليم، لا يستفزه شيء، يقول الإمام علي، عليه السلام: “إذا لم تكن حليما فتحلّم”
ولأن العادات وليدة المعتقدات، سواء كانت عادة حسنة أم سيئة، فإذا كانت عادة سيئة تمنعه من التقدم، فليبحث عن جذور العادة، فمن تعود على الاستسلام للفشل في أموره، فإن عليه أن يراجع جذور أفكاره التي ساقته إلى أن الفشل والتراجع قضاء حتمي، وأن الله تعالى كتب عليه ذلك، ويغيّر ذلك المعتقد الذي غرس لديه تكرار الفشل المرة بعد الأخرى.
إن أبسط دليل على أن العادات قابلة للتغيير، هو أننا رأينا بعض من حولنا قد تغيروا الى الأحسن، وغيّروا من عادات كانت قد استحكمت عليهم، فهناك مَن كان غضوباً، قد تحول بفضل إرادته الى حليم، لا يستفزه شيء، يقول الإمام علي، عليه السلام: “إذا لم تكن حليما فتحلّم”.
“وهناك عشرات الآلاف من الناس الذين غيّروا عاداتهم، وهم في أعمار مختلفة، فتغيّرت أحوالهم”. وإليك فيما يلي تمرينا بسيطا، له تأثير كبير في ترك العادات السيئة:
خُذ مكفرةً صغيرةً، ودوّن فيها نقاط قوّتك في صفحة، ونقاط ضعفك في صفحة أخرى. اُكتب مثلا كلمة الصدق، باعتبارها نقطة قوة، في صفحة، واكتب كلمة الكذب، باعتبارها نقطة ضعف، في صفحة أخرى، فإذا ما كذبت فضع علامة تجت كلمة الكذب باعتبارها نقطة ضعف، بينما إذا صدقت فضع علامة تحت كلمة الصدق.
وهذا يمكنك أن تكتب كلمات أخرى كالشجاعة والجبن والبخل ..، فإذا ما واجهك موقف، وكان عليك أن تكون شجاعا وتصرفت كذلك، فأعطِ لنفسك علامة تحت الشجاعة، أما إذا خانتك الشجاعة فضع علامة تحت كلمة الجبن.
حاول أن تفعل ذلك لمدة أسبوع، ثم اُنظر إلى النتائج. ( كيف تبني شخصيتك/ السيد هادي المدرّسي).