مايزال هاجس كورونا يستوطن قلوب أولياء أمور الطلاب في العراق –كما هو في معظم دول العالم- مع مطلع العام الدراسي الجديد، بسبب استمرار الحديث عن احتمال تصاعد أرقام الاصابات خلال فترة الدوام بين الطلبة والكادر التعليمي، سواءً في المدارس أو في الجامعات، وبالرغم من أن وزارة التربية في العراق أعلنت موعداً لبدء الدوام والحضور في المدارس للكادر التعليمي، بيد أن المخاوف ماتزال قائمة.
صحيح أن التلاميذ الصغار والطلبة الشباب واليافعين يمثلون ثروة لا تقدر بثمن في أي بلد، وهي رصيد استراتيجي عظيم لقوة البلد والشعب، بيد أن المهم ايضاً؛ المسيرة التعليمية، فاذا كان الجانب الأمني مهم ومطلوب، فان الجانب المنهجي والعملي مهم ايضاً، وهو مرتبط بعامل الزمن، وبسلسلة لا تنقطع، من الصف الاول الابتدائي وحتى آخر سنة من التعليم الجامعي، فأي تقديم أو تأخير بحلقة من هذه السلسلة يترك أثره المباشر على السلسلة التعليمية كلها، فلا بديل سوى الاستمرار، او توقف المسيرة برمتها سنة دراسية كاملة، وهذه مسألة لها انعكاسات سيئة على الصعيد الداخلي والخارجي وتسيء الى سمعة البلد في المحافل العلمية العالمية.
الفترة الراهنة ليست كالايام الاولى لاجتياح كورونا العراق، حيث الارتباك والاضطراب يسود كل مكان، فقد عرف الجميع كيفية التعامل مع هذا المرض الغريب بالتركيز على تقوية جهاز المناعة، ومعالجة أي عوارض للمرض بالحجر المنزلي
المسألة الامنية في كل جوانبها؛ من حيث الاوبئة، والارهاب، والحرائق وغيرها، بالامكان ايجاد بدائل لها وحلها بطريقة أو بأخرى، وهو ما لم يجربه –للأسف- المعنيون في الشأن التعليمي بالعراق خلال الاحتجاجات التي اندلعت مع بدأ العام الدراسي (2019-2020)، وتعرض المدارس والجامعات لتهديدات غريبة من اطراف غير معروفة بضرورة إغلاق ابوابها بغية حثّ الطلبة على المشاركة في التظاهرات الاحتجاجية على سياسات الحكومة الفاشلة! وبهذه الحجة الواهية وغير المنطقية غاب طلبة المدارس والجامعات اكثر من ثلاثة أشهر عن الدراسة، حتى جاءت الريح الصفراء من الشرق لتعلن استمرار الجمود الدراسي فترة أخرى ليتم القضاء على العام الدراسي بشكل تعسفي، وينجح معظم طلبة مدارس الابتدائية والثانونية وهم لم يتلقوا تعليماً إلا لشهر واحد أو اكثر قليلاً، ولم يتصفحوا كتبهم المدرسية إلا بعض الوريقات منه.
هذه البدائل تم ابتكارها مؤخراً بعد طول انتظار! لاتمام أعظم مهمة تعليمية؛ ألا وهي الامتحان الوزاري لطلبة السادس الاعدادي، وبعد طول عناء وكفاح مرير مع التحديات والمنغّصات والتشكيكات، فتم إعداد قاعات كبيرة من مؤسسات تعليمية أهلية عدّة وجلس الطلاب على مقاعدهم المتباعدة، وما تزال الامتحانات جارية، رغم تأخرها، وقد بلغني من أحد الكوادر التعليمية في احدى القاعات الامتحانية أن مديرية التربية تابعت بحرص شكوى من طالب أبلغ عن شعوره بالصداع بسبب رذاذ التعقيم الذي تنشره فرق التعفير، وأمر بتوقف هذا العمل خلال وجود الطلاب، وبدلاً عنه يتم التعفير بعد خروج جميع الطلبة من القاعات ثم غلق القاعة الى يوم غد.
البعض وعبر منصات التواصل الاجتماعي ينظّرون ويقترحون، واحياناً يفرضوا هواجسهم ومزاجهم على الآخرين بذريعة “الحرص على الصالح العام”، فيما هم يسيؤون لهذا الصالح العام من خلال تكريس روح اليأس والاحباط من التعليم، كما فعلوا خلال فترة الاحتجاجات السياسية بإغلاق المدارس والجامعات
بهذه السلاسة و روح المسؤولية، تمت معالجة مسألة من عشرات بل مئات المسائل التي تظهر خلال الامتحانات، كما يمكن ان تشهدها المسيرة التعليمية طيلة السنة الدراسية، وهذا يحتاج الى مسارين متفاعلين معاً:
المسار الأول: يتمثل في الجهات الحكومية المسؤولة لتوفير الحد الأقصى من الأجواء اللازمة وفق المتطلبات الحالية لتوفير الاطمئنان لأولياء الأمور بعدم وجود ما يثير القلق على ابنائهم في المدارس والجامعات خلال العام الدارسي الجديد.
المسار الثاني: يتمثل بأولياء الأمور الذين يجب ان يتحملوا مسؤولية كبيرة –ربما كانوا غائبين عنها لفترة طويلة من الزمن- بمراقبة الجانب الصحي لابنائهم، فيما يتعلق بالغذاء، ومواعيد النوم والاستيتقاظ، والاجراءات الوقائية، والتأكيد على غسل اليدين بالصابون، وغيرها من بنود الثقافة الصحية، وعدم الاتكال على المدرسة كما في السابق، فهذا له مدخلية مباشرة في مواجهة جائحة كورونا، من خلال تقوية جهاز المناعة القائم اساساً على شروط عدّة مثل الغذاء الصحيح، والنوم الكافي، والرياضة، والتعرض للشمس والهواء الطلق.
الى جانب هذين المسارين، لابد من الاشارة الى عامل غاية في التأثير في نجاح العملية التعليمية هذه السنة، وهي بعض وسائل الاعلام، ومنصات التواصل الاجتماعي المعروفة بانها ساحة مفتوحة بالمجان لاصحاب الآراء والافكار بأن ينظروا ويقترحوا، واحياناً يفرضوا هواجسهم ومزاجهم على الآخرين بذريعة “الحرص على الصالح العام”، فيما هم يسيؤون لهذا الصالح العام من خلال تكريس روح اليأس والاحباط من التعليم، كما فعلوا خلال فترة الاحتجاجات السياسية التي لم يكن للتلاميذ الصغار أي دخل او معرفة بها، وراحوا ضحية إرادات شخصية وغريبة عن مصالح المجتمع.
إن الامر الغريب الذي ربما يدور في خُلد الكثير من الناس طيلة فترة وجود فايروس كورونا في العراق، أن أهم قضية، وأكثر ملف جدير بالمناقشة هو؛ اجراءات الوقاية؛ من كمامات، وتعقيم، وتعفير، وحجز، وإغلاق و…، أما مصالح الناس، وقوت يومهم، التي تعرضت لنكسة فضيعة بسبب حظر التجوال، وايضاً توقف الدراسة لفترات غير معلومة، وغلق الطرق والمواصلات، وتعطيل الدوائر الحكومية المهمة مثل المحاكم والعقاري والمصارف، فلا أحد يفكر بها، او يفكر بايجاد بدائل لها حتى لا يتضرر المواطن البسيط لوحده بسبب هذا الاغلاق التام.
اعتقد أن الفترة الراهنة ليست كالايام الاولى لاجتياح كورونا العراق، حيث الارتباك والاضطراب يسود كل مكان، فقد عرف الجميع كيفية التعامل مع هذا المرض الغريب بالتركيز على تقوية جهاز المناعة، ومعالجة أي عوارض للمرض بالحجر المنزلي للتغلب على الفايروس والقضاء عليه مبكراً، ولا داعي للتوجه سريعاً الى المستشفيات التي تعاني بعضها من الازمات في المستلزمات الطبية رغم المبادرات الخيّرة بإقامة العديد من مراكز الحجر الصحي الميداني بشكل سريع في مدينة كربلاء المقدسة وسائر المدن برعاية من العتبة الحسينية المقدسة. بيد أن المبادرة الفردية والاجتماعية تبدو اكثر جدوائية وقدرة على الانتصار على هذا الفايروس.
هذه المعطيات تضخ الأمل في النفوس بأن المسيرة التعليمية هي الاخرى قادرة على مواجهة هذا الفايروس والتغلب عليه اذا تشابكت الايدي، وتظافرت الجهود، والتقت النوايا الحسنة في نقطة واحدة وهي: الانتصار على الفايروس نهائياً بالروح الايجابية وخطاب التفاؤل حتى لا نخسر المزيد مما خسرنا طيلة الأشهر الماضية.