بصائر من زيارة عاشوراء 1*
يقول الله تعالى: {وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمْ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لا تُنصَرُونَ * وَأَقِمْ الصَّلاةَ طَرَفِي النَّهَارِ وَزُلَفاً مِنْ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ * وَاصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ فَلَوْلا كَانَ مِنْ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُوْلُوا بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنْ الْفَسَادِ فِي الأَرْضِ إِلاَّ قَلِيلاً مِمَّنْ أَنْجَيْنَا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَا أُتْرِفُوا فِيهِ وَكَانُوا مُجْرِمِينَ وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ}. (سورة هود/ 15 ـ 17).
عبر التأريخ لم تكن الارض خالية من الحجة، ولا تخلو من رجال ربانيين مخلِصين ومخلَصين، لأن هؤلاء يمثلون راية الحق، وراية الحق لابد أن تكون قائمة لتتم الحجة على العباد، ولكي يعرف الناس أن هناك طريقان، طريق الحق الموصول الى الله، والطرق الآخر المؤدي الى النار، وهذه هي سنة الله تعالى.
فأولوا بقية هم الذين ينهون عن الفساد في الأرض، كاصحاب الكهف الذين أووا الى الكهف، و من هؤلاء البقية كانوا يعيشون في ظل الطاغوت، كبني اسرائيل قبل أن يبعث إليهم النبي العظيم موسى بن عمران، عليه السلام، وفي عهد النبي صلى الله عليه وآله، في مكة المكرمة، كان المسلمون يعيشون في أشد حالات الضنك، فقد كانوا يعذبون ويشردون، وبعد النبي الأكرم، صلى الله عليه وآله، تلقى المؤمنون الذين والوا الإمام علي عليه السلام، معاناة شديدة من قبل زياد ابن ابيه، ومن بعده ابنه. أما اصحاب الائمة المعصومين عبر التأريخ فقد لاقوا ظروف القهر والتشريد، وهذه هي سنة الله، وهؤلاء كانوا يمثلون راية الحق، وهذه الراية لابد أن تكون راية مرفرفة عبر التاريخ، لتتم حجة الله على عباده.
ووجود هؤلاء ـ اولوا البقية ـ كان أماناً لأهل الارض، لأن وجودهم وقيامهم بعملية الاصلاح كان سببا لابعاد العذاب عن أهل الأرض، والسؤال المطروح:
كيف استطاع هؤلاء أن يتجنبوا الطاغوت؟
وكيف تمكنوا من عدم الانصياع لإغراءات المترفين؟
وكيف حافظوا على انفسهم؟
وكيف حافظوا على الاجيال المتلاحقة من ابنائهم؟
عبر التأريخ لم تكن الارض خالية من الحجة، ولا تخلو من رجال ربانيين مخلِصين ومخلَصين، لأن هؤلاء يمثلون راية الحق، وراية الحق لابد أن تكون قائمة لتتم الحجة على العباد
يبين القرآن الكريم كل هذا في آخر سورة هود، وهذه السورة التي تعد سورة الاستقامة، والله تعالى يبين فيها مدى جهاد الانبياء والمؤمنين بهم عبر التاريخ، وفي ختام هذه السورة بيان لبرنامج كامل:
اولاً: الابتعاد عن الظلمة؛ يقول الله تعالى: {وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمْ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لا تُنصَرُونَ}، لابد من محاولة الابتعاد عن الظلمة، لان الاقتراب منهم اقتراب من النار، والظلمة لا يستطيعون ابعاد النار عن انفسهم فكيف عن اتباعهم؟
ثانيا: اقامة الصلاة؛ يقول الله تعالى: {وَأَقِمْ الصَّلاةَ طَرَفِي النَّهَارِ وَزُلَفاً مِنْ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ}، كان اؤلئك يتسلحون بالصلاة في النهار والليل، فحينما تهدأ النفوس، وتهجع الأصوات، يقومون الى الله متهجدين، فيكتسبون من ربهم نورا وعزماً، بعد أن تطهروا من الذنوب والسيئات.
ثالثا: التسلح بالصبر يقول الله تعالى: {وَاصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ}، فكيف يتسلح الإنسان بالصبر؟
إن جزاء الصبر هو الأجر الذي يهبه الله للصابر، وهذا الصبر ينقل المؤمن الى درجة المحسنين، ولهذا تجده صبوراً في كل شيء.
نحن أتباع أهل البيت، عليهم السلام، مرننا بظروف قاسية جداً، فلو أنها نزلت الجبال لتدكتكت، فاباؤنا صبروا في قعر السجون، وصبروا على التقية، وكان هناك صبرا مع الفقر والمعاناة، لكنهم لم يتنازلوا عن دينهم
{فَلَوْلا كَانَ مِنْ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُوْلُوا بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنْ الْفَسَادِ فِي الأَرْضِ}، لابد ان تكون هناك أولوا بقية من المؤمنين الصالحين، بل مجموعة من الصديقين المخلَصين يكون هؤلاء في صميم الواقع ضد الفساد، ويتصدون للمفسدين، ثم يقول الله تعالى: {وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ}، فإذا كانت هناك اولوا بقية يصلحون في الأرض، فإن هؤلاء أمان لبقية الناس.
نحن أتباع أهل البيت، عليهم السلام، مرننا بظروف قاسية جداً، فلو أنها نزلت الجبال لتدكتكت، فاباؤنا صبروا في قعر السجون، وصبروا على التقية، وكان هناك صبرا مع الفقر والمعاناة، لكنهم لم يتنازلوا عن دينهم، فكيف ذلك؟
اولاً: التصاقهم بالقرآن الكريم، واستيعابهم لآياته الكريمة، وتشبعهم ببصائره المضيئة.
ثانيا: تمسكهم بالنصوص الواردة عن أهل البيت، عليهم السلام، فكانت تغذيهم المرة بعد الأخرى، هذه النصوص كانت الزاد في الظروف الصعبة، وكانت المنهج لابنائهم، كدعاء الندبة، ودعاء كميل، وسائر الادعية والزيارات ومنها زيارة عاشوراء، والتي نعيش ذكراها وايامها.
فأيام شهر محرم الحرام تزودنا بزاد عظيم طوال العام، وتزود ابناءنا والاجيال بالعطاء، فزيارة عاشوراء زيارة عظيمة، وعلى المؤمنين ان يتزودوا منها، وأن لا نترك قراءتها والتدبر في فقراتها المخلتفة، والاستفادة من بصائرها، وتحويلها الى جزء من هويتنا وشخصيتنا العلمية، فهي التي اعطتنا القدرة على مواجهة كل المستبكرين والظلمة، وكشف الخداع والمؤامرات. وهي سلاح أيضا في مواجهة الاهواء واغراءات الشيطان.