لما وصل ركب السبايا إلى الشام، وصاروا بالقرب من دمشق أرسلت السيدة أم كلثوم إلى الشمر – لعنة الله عليه، وكان يحمل رأس الامام الحسين – تسأله أن يسير بهم في طريق يكون الناس فيه أقل، لينشغل الناس به وبسائر الرؤوس عن النظر إلى حريم رسول الله، صلى الله عليه وآله، وهذا يدل على أنه مع شدة المصاب وصعوبة الموقف كان همّ تلكم النسوة في المحافظة على الحجاب والستر وإبعاد الغرباء عن النظر اليهنّ، ومع كل الأذى الذي تعرضن له الهاشميات، ونساء الأصحاب، كانت السيدة زينب، عليها السلام، ملتزمة بالحجاب ولم يمنعها التحفّظ والتستر من تأدية دورها في إكمال مسيرة اخيها الإمام الحسين، عليه السلام.
وما أحوجنا اليوم الى زينب، والى الهاشميات والمصونات في موكب السبايا!
فاليوم المجتمع ينظر إلى المرأة المحجبة بنظرة الضعف، وأنها مظلومة، ومسلوبة الحرية، ولا حول لها ولا قوة؛ بل هنالك بعض الجهات تحاول تحريف معنى الحجاب، بقولهم: أنه يطمس هوية الفتاة ويقيد حركتها، وينظرون إلى المحجبة بأنها مرغمة على لبسه بسبب التقاليد والأعراف المجتمعية وخاصة في بلدنا (العراق)؛ كل هذا من اجل زرع فكرة استحالة اجتماع الحجاب مع طلب العلم والتفوق، في اذهان الفتيات.
أما الحجاب في الإسلام فهو أكثر من موروث اجتماعي، بل هو فريضة من الله -تعالى – لتحقيق أهم مصلحة لبنات حواء في حياتهنّ، ألا وهي؛ الحفظ والصون من التطاول عليها، وهذا يعني أننا بحاجة الى معرفة كاملة لفلسفة لبس الحجاب الذي يغطي رأس وجسد المرأة، حتى يخرج من كونه تقليد او فرض من الأسرة والمجتمع.
نحتاج إلى وعي ذاتي للقضية؛ فالحجاب لم يكن ولن يكون يوما الحاجز بين المرأة وحريتها، بينما نجد أن بعض السافرات (غير المحجبات) هنّ من يعانين من مصادرة الحرية الشخصية، يكفي ان نلقي نظرة على حياة المشاهير، ومن يظهرن على شاشة التلفزة وفي مواقع الانترنت، ونتابع حياتهن الخاصة، وكيف انهن محكومات بضوابط والتزامات خاصة في الأكل والشرب والحركة والكلام، حتى النسوة العاديات اللاتي يعشن حياة طبيعية، فرغم انهنّ يبحثن عن لقمة العيش هنا وهناك، نلاحظ تعرضهن في الاونة الاخيرة الى هجمة شرسة من ظاهرة غريبة تجتاح العالم باسم «التحرش الجنسي».
أما المرأة في الإسلام فقد تنفست الحرية واستعادت الحقوق والكرامة منذ بزوغ فجر الاسلام، فأول صرخة للاسلام بوجه المجتمع الجاهلي والمشرك، كانت اعتراضاً وتقبيحاً لعمل دفن الإناث وهنّ أحياء، فجاء التساؤل الكبير:
{… بِأَيِّ ذَنبٍ قُتِلَتْ}، (سورة التكوير: 9)، فرفع من مكانة المرأة منذ ولادتها، مروراً بفترة النمو والبلوغ، ففي الاحكام الاسلامية، أعطى رسول الله، صلى الله عليه وآله، لهن حق الميراث، والنفقة الزوجية، فضلاً عن التوصيات الأكيدة للنبي الاكرم، وايضاً اهل البيت، عليهم السلام، على احترام المرأة والتودد اليها وعدّها عضواً فاعلاً واساسياً في المجتمع.
إن الحجاب ليس قطعة القماش التي ترتديها المرأة وحسب، إنما يتجسد في طريقة تعاملها مع الجنس الآخر، لاسيما في طريقة الكلام، ولعل القرآن الكريم أبلغ في التعبير عن فلسفة الحجاب وما يحقق من مصلحة عليا لكل بنات حواء، الآية الكريمة تشير الى عناصر مريضة في المجتمع لابد من تجنبها؛ {…فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ}، (سورة الأحزاب 32).
والمـــــرض يتجسد احياناً فــــي فيروسات العقد النفســــية والأوهــــام، التي ربمــــا تنتقــــل الى بعــــض الفتيات مــــن خــــلال معسول الكلام والحديث المتبادل عبر نافذة «التخضّع» التي يحذرنا القرآن الكريم منها.