تمثّل العلاقة الزوجية اقوى واطول رابطة بين شخصين، فالبنت التي عاشت في بيت أبيها عشرين سنة لابد لها من يوم من الايام ان تفارقه، وتلتحق ببيت الزوجية المقر الجديد والدائم لها، كذلك فإن الشاب الذي ترعّرع بين احضان والديه، طيلة فترة شبابه وفتوته، لابد له أن يتزوج وأن ينتقل الى عش الزوجية ليبدأ حياة جديدة، تشكّل إمتحانا لقدراته وطموحاته المختلفة.
الحديث عن الحياة الزوجية له ابعاد كثيرة، فهناك التنظيم الاقتصادي والادارة الناجحة للمؤسسة الجديدة، في كيفية التعامل مع المتغيرات والطوارئ التي قد تأتي على حين غَرّة، وهناك جوانب التربية وما الى ذلك، لكن ما يهم الحديث في هذا المقال هو عن كيفية علاقة الزوج بزوجته، ونحن نعيش مناسبة ذكرى زواج النورَين؛ الامام علي والسيدة فاطمة عليهما السلام، لابد من الحديث عن علاقة الزوج بزوجته في ضوء هذه الذكرى العطرة.
“إنّ اول مظاهر العناية أن يكون الشخص صديقاً لزوجته وليس زوجا لها فقط. إذ لا يجوز أن تكون علاقة المرء بالناس جيدة وعلاقته بأهله سيئة”.(فن الصداقة مع العائلة).
فمن المؤسف ان تجد الكثير من الرجال تكون اخلاقه في البيت، كضابط شرطة يتعامل مع مجرمين، في المقابل تراه خارج بيته ودودا اخلاقه، لينةً عريكته، وهذا من أكبر الآفات، يقول الإمام علي، لولده الإمام الحسن عليهما السلام: “لا يكنْ أهلك أشقى الخلق بك”، ويقول الرسول الاكرم، صلى الله عليه وآله: “خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي”.
ولا زالت هناك عادات في بعض المجتمعات العربية تنظر الى المرأة بدونية، فإذا اراد احدهم ذكرها، يقول: اعزكم الله!، لكن الإمام علي عليه السلام يقول: الاستهتار بالنساء شيمة النوكى”(أي الحمقى).، ويقول أيضا: “لا تنازع السفهاء، ولا تستهر بالنساء، فإن ذلك يزرى بالعقلاء”.
ويقول الرسول الاكرم، صلى الله عليه وآله: من سعادة المرء المسلم الزوجةُ الصالحة والمسكن الواسع، والمركب الهني، والولد الصالح”، ومع طول هذه العلاقة لابد للزوجين أن يكون على إلمام بمفردات هذه العلاقة، وهنا لابد من وصايا لاقامة هذه الرابطة على أسس متينة، أُخذت من كتاب( فن الصداقة مع العائلة) لسماحة السيد هادي المدرسي:
[.. إن زوجتك مخلوق من قبل الله(عز وجل) ولست مالكها ومولاها، بل هي زميلتك في الحياة وشريكتك في العيش، وصاحبتك في هذه الدنيا. فلها ربها وسيدها ومولاها، فلا بد أن تحترمها كما تحترم أي إنسان في المجتمع ..]
-
أولا: الاحترام المتبادل
إن زوجتك مخلوق من قبل الله(عز وجل) ولست مالكها ومولاها، بل هي زميلتك في الحياة وشريكتك في العيش، وصاحبتك في هذه الدنيا. فلها ربها وسيدها ومولاها، فلا بد أن تحترمها كما تحترم أي إنسان في المجتمع.
وإذا كان الخالق واحدا، وهو الله تعالى. فإن من واجب كل طرف أن يحترم الآخر كزميل له في الخلق. فلكل طرف آمال ورغبات، وكرامة وعزة، ولا يجوز لاحد أن يتجاوز آمال الطرف الآخر، وأن يهين عزته، ويسحق كرامته لصالح عزته وكرامته هو.
يقول الرسول الاكرم، صلى الله عليه وآله: “مَن اتخذ زوجة فليكرمها”، ويقول أيضا: “أيما رجل ضرب امرأته فوق ثلاثة أقامه الله يوم القيامة على رؤوس الخلائق فيفضحه فضيحةً ينظر إليها الأولون والآخرون”.
وفي الواقع أن احترام الزوجة يدفعها الى النحاج في علاقاتها مع الزوج. فحينما يتحرمها الزوج فإن العلاقة –بينهما- ستكون علاقة محبة ومودة، يقول الرسول الاكرم، صلى الله عليه وآله: “أيضرب احدكم المرأة ثم يظل معانقها”.
-
ثانيا: منح التقدير اللازم
أتعرف لماذا تخفق الكثير من الفتيات الجميلات، والمثقفات منهن في الحصول على زوج مناسب؟ أو يخفقن في علاقاتهن الزوجية بعد الزواج؟
إن الفتاة الجميلة قد تكون مغرورة بنفسها، ومن ثم لا تعرف قيمة التقدير اللازم منحه لكسب زوجها . فهناك الكثير من الجميلات اللّاتي أخفقن في الحياة الزوجية، وعشن حياة العزوبية الى النهاية لهذا السبب.
فالجميلة باعتبارها مطلوبة، لاتعرف كيف تكون مؤدبة، وكيف تكون مرآة للزوج، يرى فيها نفسه بدل أن ترى دائماً نفسها، وإن الزوجة الناجحة هي التي تقدر منجزات زوجها، فإذا قام بعمل صالح شجعته عليه، وحينئذ تكون هي المرآة التي يرى فيها الرجل حُسنه وجماله.
وهل هناك أحد منا يكره المرآة إذا ظهرت محاسنه؟
او حتى مساوئه ايضا؟
وكما في الفتاة، كذلك في الرجل فمعظم الشباب الراغبين في الزواج، لا يهمهم أن تكون الزوجة المنشودة ربة بيت من الطراز الرفيع، بقدر ما يهمهم أن تُشبع الزوجة ثقتهم بانفسهم، واحساسهم بقدراتهم وتشجعهم على الخيرات، وتنفض عن نفوسهم اتعاب العمل.
يقول الحديث الشريف: “جاء رجل الى رسول الله، صلى الله عليه وآله فقال: إن لي زوجة إذا دخلت (البيت) تلقّتني (أي استقبلتني) وإذا خرجت شيعتني، وإذا رأتني مهموماً قالت: ما يهمك؟ اذا كنت تهتم لرزقك فقد تكفل به غيرك ( أي الله تعالى)، وإن كنت تهتم بآخرتك فزادك الله همّاً.
فقال له رسول الله: “بشرّها بالجنة، وقل لها: إنكِ عاملةٌ من عمّال الله، ولك في الجنة أجر سبعين شهيداً”.
[ .. سأل رسول الله، صلى الله عليه وآله علياً عن فاطمة:
“كيـــــــف وجــــــــــــدت أهلك؟ فقــــــــــال عـــــــلي عليه الســـــــــــــلام: نعـــــــــــــم العـــــــــــــــون عــــــــــلى طاعـــــــــــة الله” ..]
-
ثالثا: الاستعانة باللّباقة، واللطف في التعامل
الالتزام باللباقة والأدب بين الزوجين في التعامل الزوجي يؤدي الى مزيد من العلاقة الحميمة بينهما، وقد يسأل السائل: ماهي حدود اللباقة؟
وما هي حدود الأدب؟
والجواب: إن كل ما نلتزم به بيننا وبين الناس، لابد أن نلتزم به بيننا، وبين الشريك الآخر.
ترى..
ماذا نفعل نحن مع إنسان غريب؟
هل نستعمل معه الكلمات الجارحة؟
وهل نقاطعه حين الحديث؟ وهل نفتح الرسائل المرسلة إليه؟
وهل ندس انوفنا في اموره الشخصية؟
وإذا لم نكن نفعل ذلك مع أي غريب، فهل يجوز أن نفعل كل ذلك مع الشريك الآخر؟
لماذا يسمح بعض الازواج لانفسهم، أن يدسوا انوفهم في امور زوجاتهم الشخصية، التي لا تخص غيرهنّ؟
ولماذا يسمح بعض الازواج لانفسهم بإهانة الزوجة، وبمقاطعة كلامها، وبفتح الرسائل الموجهة إليها؟ في الوقت الذي لا يفعل ذلك مع الآخرين؟
إن الثقة اذا كانت قائمة بين الزوجة والزوجة، فلا يجوز أبداً أن نقطع يقياً بالشك، فالغيرة الزائدة من أي طرف كان مفسدة له، كما جاء في كلام الإمام علي عليه السلام: :”إياك والتغاير في غير موضع غيرة، فإن ذلك يدعو الصحيحة الى السَقَم والبريئة الى الريب”.
-
رابعاً: الالفات الى الامور الصغيرة
لقد فصل أحد القضاة في أربعين شكاية زوجية، وبعدها قال هذه الجملة: “إنك لتجد التوافه ـ دائماـ في قرارة كل شقاء زوجي”، ومن الصحيح أيضا أن الأمور الصغيرة النافعة هي الأخرى وهي من أسباب السعادة الزوجية.
فإغفال الزوجة لعبارة (مع السلامة) مثلا تقولها لزوجها وهي تلوح له بيدها اثناء انصرافه الى عمله في الصباح، أمر تافه، ولكنه كثيرا ما يؤدي الى الطلاق.
ولابد أن يهتم الزوجان باللفتات الايجابية الصغيرة، كتقديم هدية صغير، او السؤال عن صحة الطرف الآخر، او مكالمة هاتفية او رسالة خطية، أو اي شيء من هذا القبيل. بهدف زرع جو من التفاؤل، ومنع النكد.
-
خامسا: مطالعة كتاب في العلاقات الزوجية.
أنت كجديد على الحياة الزوجية، ولم تدخل بالطلع معهدا يُدرس فيه ما يرتبط بهذه الحياة، بطريقة التعامل الزوجي. إذن فأنت لا تعرف شيئا من اصول التعامل بين الزوجين، ومن هنا فإن عليك أن تقرأ كتابا في العلاقات الزوجية، ولا تترك هذه الامور لنظريات العجائز، وافكار الفاشلين.
لقد اثبتت التجارب، أن كثيرا من اسباب هدم البيت الزوجي، يعود الى جهل الزوجين، أو الى جهل أحدهما فيما يرتبط بهذه القضية او تلك من أمور العلاقات الزوجية، بما فيها القضية الجنسية، ولهذا فإن عدم التوافق في هذا الجانب، هو من الاسباب الرئيسية في الاخفاق في الزواج. ومن هنا تأتي أهمية مطالعة كتاب جيد في القضايا الزوجية”.
ونحن إذ نعيش مناسبة زواج النورين؛ الإمام علي، وفاطمة الزهراء عليهما السلام، لابد أن تكون بيوتنا نسخة مصغرة عن ذلك البيت الرسالي، الذي وصفه الله تعالى بقوله: {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ *رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالأَبْصَارُ}، لتكون النتيجة أسرة ربانية كان خلاصتها جيل من الاطياب الطاهرين، وقد سأل رسول الله، صلى الله عليه وآله علياً عن فاطمة: ” كيف وجدت أهلك؟
فقال علي عليه السلام: نعم العون على طاعة الله”.
_____________
*مقتبس من كتاب فن الصداقة مع العاائلة/ السيد هادي المدرسي