قال الله جل وعلا: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا}، (سورة الإسراء:٧٠)
الكرامة من شأن الإسلام، فقد سعى الإسلام لكل ما يصون النفس الإنسانية بما يوفر العيش الرغيد والطمأنينة والرضا للإنسان، ودور الإنسان الحفاظ على كرامته ومعرفة النفس ما لها وما عليها، فالملذات والرغبات يستطيع الإنسان تحقيقها بشكل سليم دون الزلل. ومن هذا المنطلق الإنسان لديه حقوق وحريات بما هو ليس محرماً. وفي أغلب الأحيان يتوارد لأذهان الكثيرين حين تُذكر الحرية معاني صور كثيرة؛ حرية الملبس، المأكل، المسكن، السفر والتنقل، حرية الشراء والبيع، حرية التحدث، أنت حر فيأخذك الغرور لـيحطمك.
لكن هل فكر أحدهم بحرية الفكر، حرية تغذية العقل، الحرية التي تحفظ كرامة الإنسان وتعزز مكانته، الحرية التي تسمح لك باتخاذ قرار حاسم قد ينهي حياتك ولكن الثمن لا يُضاهى.
وهذا ما لا يفهمه أصحاب العقول المحدودة (الفكر الدنيوي) حيث كل ما في الحياة الدنيا زائل، والحياة زائلة، طالما توجد نهاية فهي محدودة.
«إني لم أخرج أشراً ولا بطراً ولا ظالماً ولا مفسداً إنما خرجت لطلب الاصلاح في أمة جدي أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر وأسير بسيرة جدي وأبي علي بن أبي طالب فمن قبلني بقبول الحق فالله أولى بالحق ومن رد علي هذا أصبر حتى يقضي الله بيني وبين القوم بالحق وهو خير الحاكمين». (الحسين، عليه السلام)
فالحرية ليس فيما أقول وما لا أقول ليس في حبي لك أو كرهي لك، فيما أسمع وما لا أريد سماعه، تلك مستويات محدودة جداً جداً من الحرية، وهي ليست الشذوذ عن القواعد تحت مبرر الحرية. من هنا نجد أن ثورة الامام الحسين رسالة لتوضيح بعض المخالطات، وإعادة صياغة بعض المفاهيم، ولتسليط الضوء على أن الحرية لا تتجزأ عن الكثير من الأخلاقيات.
فالمعنى الحقيقي والرسالة الراسخة التي يرسمها الإمام هي كلمة حق في وجه الباطل، هي تضحية من أجل الحق، موقف راسخ، قرار نابع من ضمير، فالحرية نقية خالصة لا غبار عليها، الحريه التي أرادها لنا تحمي الإنسانية لا تُدمرها، تجمع البشرية تحت مُسمى الإنسانية لا تُشتتها تبني نفساً عزيزة لا ذليلة، الحسين أرادنا أقوياء لا ضعفاء، موقف منه أثبت لنا ومنحنا آلالاف الدروس والعبر، فبقوته سار في طريق لا يخشى لومة لائم فكل الأسباب كافية لرضا سبحانه وتعالى، فخياره لم يكن الجنة بل الخالق وهذا هو المعنى الحقيقي للسمو، فموقفه كان صريحاً جدا وواضحاً لإنقاذ الإنسانية، حيث الإسلام يقوّم المجتمع.
«إن ملحمة كربلاء هى ملحمتي الذاتيه كفرد إنساني». (بولس سلامة)
فالإمام سعى إلى ثقافة فكرية ناصعة تحفظنا من كل شائبة.
«إن كان الإمام الحسين قد حارب من أجل أهداف دنيوية، فإنني لا أدرك لماذا اصطحب معه النساء والصبية والأطفال؟ إذن فالعقل يحكم أنه ضحى فقط لأجل الإسلام». وقال: «الإمام الحسين وعصبته القليلة المؤمنة عزموا على الكفاح حتى الموت وقاتلوا ببطولة وبسالة ظلت تتحدى اعجابنا وأكبارنا عبر القرون حتى يومنا هذا». (الكاتب الإنجليزي كارلس السير برسي سايكوس ديكنز)
فالحسين شمس معطاءة ونهر يرتوي منه كل عَطِش إلى العدالة والإنصاف، الحسين جبل، ويبقى جبلاً لا يهتز بأي مؤثر، جبل يخترق السماء لا يفهم فلسفته إلاّ الراسخون في العلم المفكرون، والعقول الواعية والذي يفهم الذات الإنسانية وصراعاتها، فلسفة الحسين إلى كل لا منتمٍ يريد الخلاص من عذابات النفس وصراعها، فلسفة الحسين سامية بهدفها الانساني. مما تقدم نجد أن الثقافة المنشودة وملخص الثورة الحسينية ليس التخلي عن المبادئ وليس في التخلي عن الدين، فعليک التحرر بحرص شديد مايضمن بأن يترتب عليه نمو الايجابيات في النفس. وهذا ما على الإنسان أن يدركه ويفهم معالمه، وأود أن أختم بعبارتي التي أكررها دائما «الحسين أعظم مما قِيل عنه وما سَيُقال».