-
الثقافة السليمة مبعث السعادة
مما لا شك فيه أن كل الناس في مختلف الدهور والامصار، يبحثون عن مصدر السعادة، فجاءت عشرات النظريات لتقدم للانسان الافكار المختلفة، والثقافات المتعددة في سبيل اسعاده، فكانت النظريات المادية، والتي تقول: “أن الانسان اذا اشبع نهمه الجسدي من المأكول والمركوب والمنكوح، فقد وصل الى السعادة”، وهذا ما اثبتت التجربةُ فشله، فنحن نرى أن صنفا من الناس اشبعوا حاجاتهم الجسدية، وعندما انتهى بهم المطاف الى الملل والضجر، كان القرار النهائي هو الانتحار!
ومن هنا فإن الثقافة التي يحملها الانسان تؤثر تأثيراً مباشراً على سلوكه وافعاله الخارجية(السلوكية)، فإذا كانت الثقافة المحمولة صحيحة، فستكون انعكاساتها ذات مردود ايجابي على صاحبها؛ أما اذا كان ثقافة تشاؤمية عدوانية فإنها ستحيل حاملها الى الدمار والفناء.
ولأن الله تعالى هو الذي خلق الانسان، ويعلم ما يسعده، وما سيسبب له الشقاء، فقد اوجد له المنهج الذي يضمن له السعادة الحقيقة في الدنيا والآخرة. ومن هنا كانت الديانات السماوية بما تحمل من تعاليم سماوية، هي الثقافة السليمة التي توصل بني البشر الى شاطئ السعادة، والتعاليم الاسلامية في شتى الجوانب الحياتية تمثل منهجا ثقافيا كاملا يضمن السعادة الحقيقية.
والثقافة كما يُعبر عنها في تعاريف عديدة، لكنها تصب في معنى واحد: “منظومة الرؤى والافكار المؤثرة في حياة الانسان والتي تحدد مسار سلوكه وطبيعة مواقفه، إذ لا تُعتبر العلوم الطبيعية من الثقافة، بالرغم من تأثيرها غير المباشر على الفكر والسلوك”.
وبناء على فهذا فنحن نحمل رؤى وافكار، تؤثر علينا، وعلى مسار سلوكنا في شتى جوانب الحياة، ولذا علينا أن نبحث عن الثقافة الصحيحة التي من شأنها خلق انسجام نفسي وسلوكي، بين ما نعتقده من جانب، وما نمارسه سلوكا في الخارج”(1).
لو ادركنا أن الحياة قائمة على السعي والكد والكدح، لما رأينا الفشل ينتاب الكثير من الشباب، وهذه الحقيقة يؤكدها القرآن الكريم بقوله تعالى: {وَأَنْ لَيْسَ لِلإِنسَانِ إِلاَّ مَا سَعَى}
-
ثقافة الحياة
“إنّ مشاكل الانسان نابعة من نتاج افعاله وتصرفاته المختلفة، فلن يرى الانسان في الدنيا والآخرة إلا ما كسبته يداه، وما عمل بمحض ارادته، فلا يجوز أن ينتظر الاقدار أو الآخرين ليحلّوا مشاكله، لأن منبع المشاكل كامن في ذات الانسان، فلو كان مبتلى بجرثومة تتوالد بسرعة في جسمه، وحاول رفع آثارها عن طريق المسكنات فهل سينجح ذلك؟
كلا بالطبع، لأن أصل المرض موجود في دمه وعروقه، ومن دون القضاء على جذور المرض، فإن الجرثومة سوف تتكاثر”(2).
فكما أن هناك امراض جسدية قد يبتلى بها البعض، كذلك فإن مجتمعاتنا اليوم مبتلاة بعدد من المشاكل الثقافة المترسبة في الذهنية المجتمعية، وما هذه الامراض التي نراها إلا آثاراً لمشكلة ثقافية او نفسية يعاني منها الفرد او المجتمع كالكسل والخمول واللاأبالية والتشاؤم الدائم.
إنّ مشاكل الانسان نابعة من نتاج افعاله وتصرفاته المختلفة، فلن يرى الانسان في الدنيا والآخرة إلا ما كسبته يداه، وما عمل بمحض ارادته، فلا يجوز أن ينتظر الاقدار أو الآخرين ليحلّوا مشاكله
فمرحلة الشباب – على سبيل المثال- مرحلة تفجّر الطاقات، وظهور القابليات الابداعية، وتوافر النشاط الذي لا يمكن ان يكون في أي مرحلة عمرية، سواء كانت متقدمة على هذه المرحلة ام متأخرة عليها، في هذه الفترة الشبابية ترى بعض الشباب ينحو منحى مغاير، فالكسل والخمول من سماته، إن لم تكن طبيعة قد تطبع عليها، وتراه ايضا يتذمر من كل شيء حوله، فلا شيء يعجبه – وإن كان هناك ما يدعو الى الاشادة به.
وبعض شباب مجتمعاتنا يعاني اليوم من حالة الجهل بسنن الحياة، او عدم فهم سنن الله تعالى في الخليقة، فالبعض يريد ان يتفوق بدون ادنى درجة جهد يقدمها، والآخر يريد أن يصبح طبيبا أو مهندسا، وإذا لم يتسنَ له ذلك، توجّه باللوم على والديه، او على المدرسة او المجتمع الذي يعيش فيه.
فلو ادركنا أن الحياة قائمة على السعي والكد والكدح، لما رأينا الفشل ينتاب الكثير من الشباب، وهذه الحقيقة يؤكدها القرآن الكريم بقوله تعالى: {وَأَنْ لَيْسَ لِلإِنسَانِ إِلاَّ مَا سَعَى}.
إن أول خطوة في تغيير السلوك الخاطئ منوطة بتغيير الثقافة الداخلية، التي رُبّي الفرد وتطبع عليها -نتيجة البيئة التي عاش فيها-، وهذه الخطوة ايضا مرتبطة بإزالة الثقافة المسيطرة على النفس، فإذا كان الانسان متشائم، فليعود نفسه على الايجابية تجاه المحيط من حوله، حينها ستتفتح آفاقا جديدة لم يكن يعهدها.
والتعاليم الدينية بما فيها آيات الذكر الحكيم، وأحاديث النبي الاكرم، صلى الله عليه وآله، تمثل ثقافة ومنهجا له القدرة على تغيير مستقبل الانسان من الحال السيء الى ما هو أفضل منه، شريطة الثقة بهما كمنهج رباني مع العمل بهما.
————————
(1) الاسلام ثقافة الحياة؛ السيد المرجع المدرسي.
(2) المصدر نفسه.