-
تقديم تاريخي
منذ ست سنوات وستة وعشرين يوما واليمن يكابد عدوان سعودي خليجي على بلد قد انهكه الفقر والحروب الداخلية والاهلية، واذا اردنا مسار توضيحي لهذه الحرب، فما هي إلا آثار لحروب ماضية، وهنا لابد من التعريج تاريخيا على الاحداث، التي تسببت بشكل أو بآخر بما يعانيه الشعب اليمني، فمن ستينات القرن الماضي واليمن يعيش حالة انذار قصوى، فلا يخرج من حرب، إلا ويدخل في أخرى، فمن ما يسمى ثورة الثاني والعشرين من سبتمر عام 1962، وما رفقتها من حرب أهلية استمرت لثمان بين الموالين للمملكة المتوكلية، وبين المواليين للمطالبين بالنظام الجمهوري، واستمرت الحرب ثمان سنوات (1962 – 1970). وقد سيطرت الفصائل الجمهورية على الحكم في نهاية الحرب، وانتهى حكم الائمة الزيدية، وقامت الجمهورية اليمنية. بدأت الحرب عقب انقلاب المشير عبد الله السلال على الإمام محمد البدر حميد الدين وإعلانه قيام الجمهورية في اليمن.
تلا ذلك حرب المناطق الوسطى هي حرب بالوكالة قامت في الجمهورية العربية اليمنية بدعم من الحزب الاشتراكي في الجنوب، وكانت في المناطق الوسطى في اليمن (تعز – إب – البيضاء – ذمار – ريمة وغيرها)، كان تدهور الظروف المعيشية وتفشي الظلم وحرمان الناس من خدمات الثورة والجمهورية من أهم الأسباب التي دفعت المواطنين للانضمام للجبهة.
بعد ذلك جاءت حرب صيف 1994، – حدث بعد الوحدة المزعومة في الكويت عام 1990- وتعرف أيضاً بحرب 1994 أو حرب الانفصال اليمنية، هي حرب أهلية حدثت في شهري مايو ويوليو بين الحكومة اليمنية الشمالية، وبين جمهورية اليمن الديمقراطية الجنوبية التي أعلنها علي سالم البيض عام 1994. دعمت الكويت الانفصاليين وانتصرت الحكومة وهرب قادة (الانفصال) لخارج البلاد وحكم على الكثير منهم بالاعدام.
[.. الأموال التي صرفت على دمار اليمن تجاوزت 800 مليار دولار غير الخسائر التي لحقت بالبنية التحتية لليمن والتي قد تتجاوز 200 مليار دولار! ..]
وقد جاءت الحرب الأهلية لتدمر المنشئات الصناعية والعقارية، والبنية الأساسية للدولة، والمشاريع. وشردت أكثر من نصف مليون شخص، وقُتل وجرح فيها أعداد ضخمة من الطرفين، اختلفت المصادر في تقديرها، ودمرت فيها ست مئة دبابة، وحوالي خمسا وثلاثين طائرة. جرى كل ذلك الدمار، والخراب والقتل، في دولة مدرجة في قائمة أكثر الدول فقرا في العالم. لذلك فإن الاقتصاد اليمني واجه مأزقاً حقيقياً، حيث نهض من حرب دمرت بنيته الأساسية، وجيشه، وخلقت حالة من الشكوك حول المستقبل السياسي للوحدة، وهددت مناخ الاستثمار فيه.
وحسبما أعلنته الحكومة اليمنية آنذاك، فإن خسائر الحرب، المباشرة وغير المباشرة، بلغت نحو (11) مليار دولار، نجمت بالأساس، عن حدوث تدمير واضطراب شديد، في الإدارات، والمنشآت الاقتصادية، وتأثير المعارك على نشاط شركات استخراج البترول، أهم الصادرات وعصب الاقتصاد اليمني، الذي يبلغ إنتاجه حوالي 320 ألف برميل يومياً. وبالطبع، فقد أضيف جانب كبير من فاتورة الحرب، على ديون اليمن، التي تبلغ حوالي (8.5) مليار دولار، تصل خدمتها إلى 237.9 مليون دولار سنوياً، بما يجعلها تقبع في الترتيب الدولي ـ وفقاً لتقرير الأمم المتحدة للتنمية البشرية 1993 ـ عند رقم (130) حيث لا تأتي بعدها من البلدان العربية كلها، سوى الدولتين.
وقد قدرت تكلفة ذلك بـ 35 مليار دولار، كما قدرت تكلفة التعويضات للمواطنين المضاربين من الحرب، بحوالي 5.5 مليار دولار، طبقاً لما صرح به الدكتور عبد الكريم الإرياني، وزير التخطيط والتنمية في نظام صالح آنذاك.
وبعد عام 2004 اندلعت الحرب بين نظام صالح والسعودية من جهة، وبين الحوثيين( انصار الله)، والتي استمرت من العام المذكور الى 2010، في فترات متقطعة، وتعرف في اليمن بالحروب الست، وقد وخلفت آثارا سياسية واجتماعية واقتصادية لا زال اليمن يعاني منها، والى ما يسمى الربيع العربي، الذي أحال اليمن الى خراب، فكل حزب بما اوتي من قوة ينهب ويستأثر بالثروات والمناصب.
[ .. إنّ المطلوب من جميع اطراف الصراع هو تقديم تنازلات في سبيل الوصول الى حل شامل للقضية اليمنية، فمواصلة القتال يعني مزيد من الجوع والحصار للشعب ..]
-
العدوان السعودي على اليمن والمصير المجهول!
لم يكن آل سعود بمنأ عما يحدث في اليمن، فقد كان لهم الدور الكبير في كل الاحداث الى ما قبل تاريخ العدوان بصورة غير مرئية للعالم، فكانوا يتدخلون في كل صغيرة وكبيرة، فكلما جاء أمير منهم، كان اسوأ من سلفه، هناك مثل شائع يتدوال بين الشعبين اليمني و(السعودي) مفاده: “قوة اليمن في ضعف السعودية، وضعف اليمن قوة السعودية” وهذا منطق كرّسته العائلة المتسلطة في نجد، وقامت بتطبيقه عمليا، من خلال اشعال الحروب الداخلية اليمنية، ولم يكن يهمها من يكون المنفذ، سواء كانت سنيا موافقا لهم في المذهب، او زيدياً( شيعيا) يخالفهم في العقيدة والمبدأ، فبعد (ثورة) ما يسمى بالجمهوريين عام 1962، قدّم آل سعود مختلف الدعم العسكري واللوجستي للملكيين، والذين يعتبرون زيدية، ولا همَّ لهم مَن يمولون، وانما كانت غايتهم ابقاء اليمن في صراعات داخلية، يفنى فيها اليمنيون وحدهم، ويدمرون بلدهم بأيدهم، كما يحدث الآن من اقتتال في المناطق الجنوبية بين اجندتهم.
اليمن بعد ازمة كورونا تواجه عدوَانين، عدو ظاهر وعدو خفي، فالظاهر هم آل سعود الذين لم يرتووا من دماء هذا الشعب، والعدو الخفي هو كورونا، والذي فتك بالمئات دون أن يشعروا أن هو المرض نفسه، فالنظام الصحي مهترئ، ويعاني من وجود ضرويات السلامة، فكيف بمحاربة هذا الجائحة التي لم تصمد أمامها أية دولة كبرى في العالم الغربي، بما تملكه من احدث الانظمة الصحية العالمية!
ومع ما يعانيه اليمنيون من جوع الحرب والحصار، اضافت الامم المتحدة معاناة جديدة، وهي وقف المساعدات الانسانية للشعب اليمني، تحت دعوى أن السلطة في صنعاء لا تعلن عن الاعداد الحقيقة للمصابين بهذا الوباء، وربما أن هذه الظروف التي يعيشها الشعب اليمني، هي من اصعب الظروف التي مرت في تاريخه، فالعدوان السعوأمراتي الذي لم يراعِ القيم والاخلاق والمبادئ الانسانية والدينية تسبب في موت الآلآف، وتدمير البنى التحتية للبلد ونهب ثرواته وخيراته وآثاره، بالاضافة الى ارجاع اليمن عشرات السنين الى الوراء.
واليوم ومع تحليل السياسيين والخبراء المختصين بالشأن اليمني، لم يعد للحرب أي جدوى للطرفين، خصوصا النظام السعودي، الذي مُني بفشل ذريع، وما إطالة أمد الحرب إلا دليل فشلهم في العمليات العسكرية، التي قالوا في بدايتها: “أن المعركة ستُحسم خلال اسبوعين”، لكنها طالت الى ما بعد خمس سنوات، ونحن ما زلنا نعيش هذه الحرب المأساوية العبثية. إذا ما علمنا أن الأموال التي صرفت على دمار اليمن تجاوزت 800 مليار دولار غير الخسائر التي لحقت بالبنية التحتية لليمن والتي قد تتجاوز 200 مليار دولار، ودعنا نتصور لو انفقت هذه الاموال في تنمية اليمن كبلد محتاج، فيكف سيكون حاله؟!
إنّ المطلوب من جميع اطراف الصراع هو تقديم تنازلات في سبيل الوصول الى حل شامل للقضية اليمنية، فمواصلة القتال يعني مزيد من الجوع والحصار للشعب، وهذا ما لا يطقيه الناس أكثر مما يحدث وسيحدث، فهناك عوائل ماتت من الجوع ولم تجد ما تأكله! فماذا ننتظر أكثر من هذه المعاناة، حين يصل الامر الى انعدام ضروريات الحياة، ومع جائحة كورونا يجب اعادة النظر في جميع ملفات الحرب، خصوصا جانب الاسرى والمعتلقين، والذين هم بالالوف لدى الطرفين.
إن اليمنيين اليوم وبالذات مَن يقف في صف العدوان السعودي، معنيون بإعادة النظر في حل النزاع الحاصل بالطرق السياسية والدوبلوماسية، واللجوء الى انهاء الصراع، والجلوس مع بقية اطياف الشعب على مائدة الحوار، أما استمرار الحرب، فإنما هو استهلاك للجيمع، والظرف الراهن يحتم على العقلاء من الطرفين العودة من جديد بعيداً عن التدخلات الخارجية، وليس بعسير أن يصل اليمنيون الى تسوية سياسية ناجحة، تمهد لحكومة انتقالية، إذا لم يتسجيوا للاملاءات الاقليمية والدولة.