مناسبات

البعد العلمي في فكر الإمام الصادق عليه السلام

لو بحثنا في التاريخ البشري لكل امة من الأمم المعروفة نجد إن لكل منها لها تراثها الفكري في شتى ضروب ..؟؟

لو بحثنا في التاريخ البشري لكل امة من الأمم المعروفة نجد إن لكل منها لها تراثها الفكري في شتى ضروب المعرفة الإنسانية ،التي تتميز به وتختلف عن غيرها من حيث سعة وعمق ونوع هذا التراث وما يتركه من اثر على صفحة المجتمع الإنساني، وللأمة العربية كما لغيرها تراث فكري أصيل ومدون في شتى صنوف المعرفة الإنسانية، مستمد أصوله النظرية من القرآن وسيرة النبي، صلى الله عليه واله وسلم وأهل بيته، عليهم السلام، وجاءت قيمة هذا التراث ليس بما قدمه للأمة الإسلامية من وظيفة نفعية على مستوى الروحي فقط، بل نجده ذا قيمة وعطاء مستمر في كافة العلوم والإبعاد السياسية والاجتماعية والاقتصادية بل يشمل كل ما من شأنه إن ينمي شخصية الإنسان و بما يضمن تحقيق سعادته، وأبعاده عن الشقاوة والتكلف غير السهل في الوصول إلى تحقيق غاياته وأهدافه.

وهنا جاء حديث الإمام الصادق عليه السلام، واحتجاجه على سعيد المولى العالم بالنجوم، ليفتح لنا الباب إمام فهم بعض الآيات القرآنية، لتكون أنموذجا يكشف لنا عن حقيقة علمية يظهر لنا من خلالها مدى شمولية وعظمة هذا التراث، مفادها أن القرآن والإمام الصادق عليه السلام، سبق أصحاب العلم الحديث بإشارته إلى وجود سبعة سماوات توافق بمفهومها طبقات الغلاف الجوي وربما هذا البحث ليس الوحيد الذي تطرق إلى هذا المعنى لكن الجديد في هذا الموضوع هو وجود نص تاريخي على لسان الإمام الصادق عليه السلام يفسر لنا هذه الحقيقة، على خلاف البحوث القرآنية الأخرى التي تعتمد فقط على الاستنتاج ألقراني، وهذا يبين دور ومهمة وعلم الإمام الصادق، عليه وضرورة وجوده الشخصي الذي يعدل بوجوده كتاب الله، وهذا ما نجده في حديثه مع سعيد المولى العالم بالنجوم، اذ قال:
“فما زحل عندكم في النجوم؟
فقال اليماني :نجم نجس.
فقال أبو عبد الله عليه السلام : لا تقل هذا فانه نجم أمير المؤمنين صلوات الله عليه وهو نجم الأوصياء عليهم السلام، وهو النجم الثاقب الذي قال الله تعالى في كتابه.
فقال اليماني : فما معنى الثاقب؟
فقال : أن مطلعه في السماء السابعة، فانه ثقب بضوئه حتى أضاء في السماء الدنيا، فمن ثم سماه الله النجم الثاقب.

[.. القرآن الكريم والإمام الصادق عليه السلام، سبق أصحاب العلم الحديث بإشارته إلى وجود سبعة سماوات توافق بمفهومها طبقات الغلاف الجوي ..]

من خلال هذا الحديث يظهر لنا إن الإمام الصادق، عليه السلام أشار إلى وجود سبعة سماوات متدانية الواحدة تحت الأخرى، وأوضح ذلك من خلال إشارته إلى كوكب زحل الذي حدد مطلعه في السماء السابعة، ونوره يخترق إلى السماء الدنيا.وان السماء التي قصدها الإمام الصادق عليه السلام، ليس السماء الكبرى المحيطة بعالمنا ألا متناهي كما هو واضح من خلال الحديث، بل هي سماء يقع ضمنها كوكب زحل الذي هو احد كواكب مجموعتنا الشمسية المكتشفة، والتي هي ادنى من حيث لا نستطيع أن نحدد موقعها بالنسبة إلى سماء الكون الكلي، وهنا قد يكون أشار الإمام الصادق عليه السلام إلى طبقات الغلاف الجوي. والذي جعلنا نعتقد ذلك هو أن حديث الامام، عليه السلام، يتفق مع الفهم الظاهر في قوله تعالى في سورة نوح: {أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقاً * وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُوراً وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجاً}. (الآية 15/16).
ويكون ذلك من خلال الأمور التالية :
1- في بداية الآية نجد لنا في الأمر رؤية وفكر(الم تروا)، والرؤية سواء كانت بحاسة البصر (العين المجردة)، أو بالفكر المراد به (إعمال العقل بالمعلوم للوصول إلى معرفة المجهول )، وحتى نستشعر قدرة الله سبحانه وتعالى (هدف الآية) لابد أن تكون السماوات السبع موجودة حتى نتفكر بها، ونصل الى هدف الآية الذي هو عظمة الخالق ودليل وجودة، وهذا ما يتفق مع ما أشار إليه الإمام الصادق، عليه السلام من وجود سبعة سماوات معلومة.

2- أن دقة التعبير ألقراني تؤكد وجود سبعة سماوات متطابقة (طباقا) إي متدانية تقع الواحدة تحت الأخرى كما جاء في (مفردات غريب القران )، وهذا أيضا ما أكده الإمام الصادق، عليه السلام (..الذي مطلعه في السماء السابعة (هذ يعني وجود ستة طبقات أخرى متدانية تقع الواحدة تحت الأخرى بحسب الحديث (ونوره يخترق إلى السماء الدنيا).

3- ظاهر الآية يشير إلى أن القمر واحد ضمن سبعة سماوات {وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُوراً}، وهذا أيضا ما نجده في السماوات التي أشار أليها الإمام الصادق، عليه السلام، حيث السابعة منها مطلع كوكب زحل وهذا ما يجعل القمر يقع ضمن الطبقات الستة المتدانية التي أشار إليها الإمام، عليه السلام: “فأنه ثقب بضوءه حتى اضاء في السماء الدنيا”، كما أن ابن عباس أشار إلى نفس المضمون في تفسيره للآية حيث قال: “يضئ ظهره(القمر) لما يليه من السماوات ، ويضئ وجهه لأهل الأرض”.

4- نجد في ظاهر الآية قد جعل القمر ضمن سبع سماوات: {وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُوراً}، بينما الشمس أخرجت من نطاق السماوات السبع: {وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجاً}، لان لو كانت الشمس ضمن السماوات السبع المذكورة لكان التعبير القرآني احد الاثنين (وجعل القمر فيهن نورا وجعل الشمس فيهن سراجا)، أو (وجعل القمر فيهن نورا والشمس سراجا)، والله تعالى اعلم وهذا يتوافق مع حديث الإمام الصادق، عليه السلام، الذي حدد السماء السابعة بمطلع كوكب زحل وهذا يعني أيضا أن الشمس خارجه عن نطاق السماوات السبعة التي أشار أليها الإمام عليه السلام.

[.. أن الأمـــــة التي تمتلك مـــــــثل هذا الكـــــــتاب المقـــــدس وهـــــو القرآن الكـــــريم، هي دائــــــما بالمستوى الذي يضمــــن كـــــرامتها واستقلالها في كـــــافة العلوم ..]

5- كما نفهم من حديث الإمام الصادق عليه السلام: “…فأنه ثقب بضوئه حتى أضاء في السماء الدنيا”، و(ثقب ) سواء أكانت بمعنى خرق، أو بمعنى أضاء وتوهج فان الكلام يوحي بان السماء الدنيا هي بالنسبة لنا وهي ضمن ما يسمى بالغلاف الجوي.
فإشارة القران الكريم والإمام الصادق، عليه السلام إلى وجود سبعة سماوات معلومة سوى في العين المجردة، أو بالفكر وتقع الواحدة تحت الأخرى مطلع زحل في السابعة منها، ويقع القمر ضمنهن وخروج الشمس عن هذه السماوات السبع يجعلنا نعتقد إن المراد بالسماوات السبع في هذه الآية هو الغلاف الجوي، والذي يعزز اعتقادنا هو قوله تعالى: {وَبَنَيْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعاً شِدَاداً}. (سورة النباء :الآية 12).
والشداد جمع شديد: القوي و-الصعب وهذا يوافق مفهوم الغلاف الجوي الذي (.. توصل بعض العلماء إلى إن (سمكه ) له من الأثر ما يعادل سقف فولاذي بسمك عشرة أمتار!)، كما جاء في تفسيرها، وأيضا نجد فكرة أشارة القران إلى مفهوم الغلاف الجوي والتعبير عنه بالسماء لا يقتصر فقط على الآية المباركة، بل جاء كتفسير لأكثر من أية من آيات القرآن الكريم منها قوله تعالى: {وَجَعَلْنَا السَّمَاءَ سَقْفاً مَحْفُوظاً} (سورة الأنبياء :الآية 32 )، وكذلك {وَأَنْزَلَ مِنْ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنْ الثَّمَرَاتِ رِزْقاً لَكُمْ} (سورة البقرة :الآية 22).
وكذلك قوله تعالى: {فَمَنْ يُرِدْ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ}. (سورة الإنعام :الآية 125)، ومن هذا نفهم أن ما أشار إليه الإمام الصادق عليه السلام، والذي أوضح لنا ما طرحه القران الكريم من وجود سبع سماوات موجودة، وما عرفه لنا من خلال هذا الحديث هو بمثابة سلا ح علمي دافع من خلاله الإمام، عليه السلام عن هيبة الإسلام سوى في تلك اللحظة أو في الوقت الحالي.

لان اليماني عندما جاء إلى الإمام الصادق، أو غيره من الناس نجدهم جاءوا ليتحدوا إمام المسلمين ليبطلوا عليهم دينهم لكن الإمام الصادق واجههم بعلم أقوى من علومهم لأنه أراد ان يقول لهم أن الأمة التي تمتلك مثل هذا الكتاب المقدس وهو القرآن الكريم، هي دائما بالمستوى الذي يضمن كرامتها واستقلالها في كافة العلوم وهذا درس لنا ونحن أمام تحدي علمي كبير على كافة المستويات والإبعاد. وكذلك ما تضمنه قول الإمام الصادق، عليه السلام، من علوم دليل على سعة ونوع وعمق هذا التراث الفكري الذي يحتاج إلى تنقيب واكتشاف وهذا يلزمنا بان لا نضحي بكل كلمة من كلماته التي ربما تكون كلمة مفتاحيه لعلم أخر.

المصادر
1- ال قطيط ، هشام، سلوا صادق ال البيت المطهرين عن علوم الأولين والآخرين ،ط1،منشورات الفجر، بيروت، لبنان ، ص 214
2- الإدارة العامة للمجمعات وإحياء التراث ،المعجم الوسيط ،ط4،مكتبة الشروق الدولية ،1425هـ-2004م ،مصر،ص 696
3- الطبرسي، الشيخ ابي علي الفضل ابن الحسن ، مجمع البيان في تفسير القران,دار الأسوة للطباعة والنشر ، ج10,ط1, طهران – إيران ،1426هـ ق- 1384هـش ,ص 199
4- الشيخ ناصر مكارم الشيرازي,الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل ،المصدر السابق ،ج20,ص203

عن المؤلف

م.م حسين رشك خضير/ كلية التربية الأساسية/ جامعة ميسان

اترك تعليقا