يقول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَىٰ أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَىٰ أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ ۖ وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ ۖ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ ۚ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُون}.
الله تبارك وتعالى حينما خلق الخلق واوجدهم لم يخلقهم عبثاً ولم يتركهم سُداً، بل بعث إليهم انبيائه وانزل كتبه، لينظم حياتهم ويضبط سلوكهم، ويدلهم على الطريق الأمثل للعيش في الحياة والإستفادة من نعمه عزوجل.
وما القرآن الكريم الا كتاب حياة ومنهاج نجاة، فهو دستورا لتنظيم الحياة البشرية بكل نواحيها، وهو هدى وبينات لمن أراد النجاة، و تبيان لكل شيء في الحياة، ومن ذلك ضبط السلوك الاجتماعي، ففي كثير من الآيات القرآنية تتحدث عن علاقة الأفراد مع بعضهم البعض وضبط سلوكهم الاجتماعي، ومن تلك الآيات هذه الآية التي نحن بصددها، والتي تتحدث عن موضوع في غاية الأهمية وهو معالجة السخرية في المجتمع.
[.. الإسلام يريد أن يبني مجتمعا متماسكا ناهضا ذا سلوك قويم، لذا ينهى عن كل ما بشأنه الإخلال في سلوك المجتمع وتحطيمه ومن ذلك السخرية ..]
إذ أن الله تبارك وتعالى في هذه الآية ينهانا عن السخرية، فلا يقبل بأن يسخر بعضنا من بعض وذلك لما فيها مفاسد خطيرة في المجتمع فهي تحل أواصر الارتباط وتهدم العلاقات وتشيع التناحر والتباغض، وبالتالي تؤدي إلى انهيار المجتمع.
والسخرية تعني؛ البحث عن سلبيات الآخرين والاطلاع عليها والتكلم بها ونشرها في محاولة للاستهزاء بهم والنيل منهم. وذلك مما يؤدي إلى نشر السلبية في المجتمع.
فالسخرية تكون وسيلة للاستهزاء بالطرف المقابل وتحطيمه. دون العمل على إصلاحه وارشاده وتقويم سلوكه، إذ قد يكون هنالك أخطاء وسلبيات عند البعض وقد يحصل الظلم في المجتمع فيقوم بعض المنافقين بحجة الاعتراض وإصلاح الأخطاء ورفع الظلم ببث ثقافة السخرية في المجتمع عبر عدة وسائل وبالخصوص الوسائل الإعلامية والتواصل الاجتماعي.
فهؤلاء الذين يقومون بالاستهزاء والسخرية دون أن يقدموا النقد البنّاء والإرشادات السليمة والتوجيه الصحيح، هؤلاء يكونوا شركاء في تحطيم المجتمع، ويكونوا من الظالمين كما تبين الآية الكريمة ذلك {وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ}.
فالإسلام يريد أن يبني مجتمعا متماسكا ناهضا ذا سلوك قويم، لذا ينهى عن كل ما بشأنه الإخلال في سلوك المجتمع وتحطيمه ومن ذلك السخرية فالله تبارك وتعالى يوجه خطابه للمؤمنين في هذه الآية ويبين لهم أن السخرية ليست من صفات المؤمنين بل هي من صفات الظالمين.
[.. السخرية تعني؛ البحث عن سلبيات الآخرين والاطلاع عليها والتكلم بها ونشرها في محاولة للاستهزاء بهم والنيل منهم. وذلك مما يؤدي إلى نشر السلبية في المجتمع ..]
“فلكي نقتلع جذور الصراع، ثم لكي نعيش في ودٍ ووئام، لابد أن نطهر قلوبنا من عقد التعالي فوق بعضنا، فنحن جميعا بشر متساوون لا يجوز أن يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيرا منهم عند الله وفي عالم الواقع، فيكون استهزائهم بهم محض سفه، مجرد خسارة لهم للمكاسب التي يمكنهم الحصول عليها، كما لا يجوز أن تسخر نساء من نساء عسى أن يكن خيرا منهن.
وحتى إذا القى الشيطان في أنفسنا هذه النظرة الشاذة، فلا يجوز أن نفصح عنها، أو أن نعيب بعضنا أو نتبادل الألقاب البذيئة. أو لسنا مسلمين قد طهر الله حياتنا من كل قذارة، فلماذا نسمي بعضنا بأسماء الفسق وقد أكرمنا الرب بأسماء إسلامية رفيعة المستوى؟ بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان”.(1)
ويسعى القرآن الكريم لأن يبني المجتمع الإيماني المتكامل الذي يشد بعضه بعضا ويصلح بعضه بعضا، وذلك من خلال النهي عما يسبب انحلال المجتمع وتفككه وانتشار السلبية فيه ومن ذلك السخرية والاستهزاء، ويدعوا إلى كل ما يسبب وحدة المجتمع وتماسكه ومن ذلك تقديم النصح والإرشاد والتواصي بالخير والتواصي بالحق والمرحمة كما يقول تبارك وتعالى في أكثر من آية؛ {إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ}
وايضا؛ {ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ}.
————————————
- (1) من هدى القرآن؛ السيد المرجع محمد تقي المدرسي ج٩ ص٣٠٠.