تدبرات في سورة (إبراهيم) شهر رمضان المبارك / 1441 هـ – (الدرس السابع عشر)
إِنَّ الْإِنْسانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ
بسم الله الرحمن الرحيم
اللَّهُ الَّذي خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ وَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَراتِ رِزْقاً لَكُمْ وَ سَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَ سَخَّرَ لَكُمُ الْأَنْهارَ (32)وَ سَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَ الْقَمَرَ دائِبَيْنِ وَ سَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَ النَّهارَ (33)وَ آتاكُمْ مِنْ كُلِّ ما سَأَلْتُمُوهُ وَ إِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لا تُحْصُوها إِنَّ الْإِنْسانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ
استعمال كلمة الانسان في القرآن للتدليل على طبيعته الأولّية، وقد بيّن ربّنا في اكثر من موضع في القرآن بأنّ الانسان ظلومٌ كفّار، فكيف نُبعد عن أنفسنا هذه الصفات الذميمة؟
للخلاص من تلك الصفات علينا أن نُغيّر طبيعة نظرتنا الى النِعم الإلهية من حولنا، فالأرض وما فيها من النعم والسماء ونزول الغيث منه، والثمرات المختلفة، والنظام القائم في الكون، والأهم من كلّ ذلك أنّه يستجيب لعباده فيما لو سألوه، أقول التفكّر في أنعم الرب سبحانه على الانسان يُعيد بناء شخصيته، ويُخلّصه من طبيعته الأوّلية.
وهكذا تتطرّق الآية الى معرفة اللّه عن طريق نعمه، معرفة تؤدّي الى احياء ذكره في القلوب، و تحثّ الإنسان على تعظيمه في مقابل لطفه و قدرته، لانّ من الأمور الفطرية ان يشعر الإنسان في قلبه بالحبّ و الودّ لمن أعانه و احسن اليه.
يقول ربّنا تعالى: [اللَّهُ الَّذي خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ]
الخلق بمعنى اخراجه من العدم الى الوجود وايضاً بتحويله من هيئة الى أخرى.
[وَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَراتِ رِزْقاً لَكُمْ]
ترى كم هي حكمة رائعة ان ينزل الله من السماء ماء، و الماء منبعه في الأرض، و هو مالح، و لكن الله يحليه بالتبخير، ثم يرفعه الى السماء، و يضيف اليه هناك المواد الضرورية للزرع، بعضها عن طريق احتكاك السحب ببعضها مما يحدث الرعد، و بعضها عن طريق امتزاج الماء بالهواء، ثم حين تمطر السماء يتوزع هذا الماء في كل أرجاء الأرض السهل و الجبل، و المدينة و الصحراء ليحقق اهدافا مختلفة.
[وَ سَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَ سَخَّرَ لَكُمُ الْأَنْهارَ]
فلو أنّ الرياح ركدت أو أنّ الأمواج تصاعدت، فهل جرت السفن حيث تشتهي.
[وَ سَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَ الْقَمَرَ دائِبَيْنِ وَ سَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَ النَّهارَ]
كلّ ذلك سخّره الرب للإنسان، وعليه أن يتفكّر في آيات الرب ويزداد شكراً لأنعمه.
[وَ آتاكُمْ مِنْ كُلِّ ما سَأَلْتُمُوهُ]
نحن لا نعلم المصحلة من عدم اجابة الدعاء، لكنّ ربّنا سبحانه هو العالم بعاقبة الامور يعطي البشر ماهو خير لهم، أو يعطيهم بدل الدنيا في الآخرة، ومن هنا على الانسان أن يكون دعّاء، يدعوا الرب سبحانه في كلّ شيء.
[وَ إِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لا تُحْصُوها]
ان كل خلية في بلايين الخلايا التي تشكل جسمي نعمة كبري يعجز القلم عن الاحاطة بها،- فأي نعمة تحصيها- و كيف، و لكن أنت ترى الإنسان كيف يظلم نفسه بالكفر بنعم اللّه.
[إِنَّ الْإِنْسانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ]
لكنّ مشكلة البشر هو أنّهم يظلمون أنفسهم وغيرهم، ويكفرون بأنعم الله سبحانه، وهكذا باستحضار النعم الإلهية و تغيير النظرة الكونية يتحوّل الانسان من الكفران الى الشكر والسير بالمنهج الإلهي القويم.