المرجع و الامة

الدرس الـ(15) والـ(16)من دروس التدبر في سورة ابراهيم لسماحة المرجع المدرسي

تدبرات في سورة (إبراهيم) شهر رمضان المبارك / 1441 هـ – (الدرس الخامس عشر)

بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْراً

بسم الله الرحمن الرحيم

((أَ لَمْ تَرَ إِلَى الَّذينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْراً وَ أَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دارَ الْبَوارِ (28)جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَها وَ بِئْسَ الْقَرارُ))

الإيمان ليس مجرّد معرفة وإنّما هو تصديق، يعني ذلك أن يعيش الإنسان بكلّ وجوده حقيقة الإيمان، ويجعل سلوكه وثقافته ورؤيته إلهية، فمجرّد الايمان اللفظي أو الاعتقاد بوجود الرب سبحانه وتعالى دون أن يعترف بحاكميته وتدبيره وتقديره لا يكفي، وذلك لا يكون الّا بطاعة الأنبياء، لماذا؟

لأنّ الرب سبحانه وتعالى فوّض اليهم الأمر وأمرنا بطاعتهم، وأنّى يمكن للإنسان أن يروّض نفسه للطاعة دون أن يطهّر قلبه من الكِبر والأنانية والحسد، وهكذا نجد الأمم تكفر بالرسل لوجود هذه الأغلال والعقبات.

للوصول الى حقيقة الايمان لابدّ أن تتجلّى ولاية الله عند الانسان، و لابدّ أن يتجاوز هذه العقبات والأمراض ويسلّم للأنبياء، ثمّ يُطبّق هذه الطاعة على كلّ حياته، إذ لولا طاعة الأنبياء لا يعرف الانسان ما فيه صلاحه وينفعه وما يضرّه، وبالتالي لا يصل الى السعادة.

يقول ربّنا سبحانه في سورة المائدة:

[يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ‏ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَ إِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ وَ اللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرينَ]

لأنّ محور الدين الولاية، ومن لا يقبل بالولاية نعته الرب سبحانه بالكفر، والايمان بالولاية هو الصراط الذي ندعو ربّنا سبحانه كلّ يوم أن يهدينا إيّاه حيث يقول ربّنا:

[وَ ما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ لِيُطاعَ‏ بِإِذْنِ اللَّهِ وَ لَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جاؤُكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَ اسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّاباً رَحيماً]

فالنبي واسطة الفيض، والرحمة تنزل للعباد عبر النبي صلّى الله عليه وآله، وهكذا التسليم للنبي صلّى الله عليه وآله حيث أنّ الايمان منوط بذلك، يقول ربّنا:

[فَلا وَ رَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا في‏ أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَ يُسَلِّمُوا تَسْليماً]

وهكذا الطاعة للنبي في السلم والحرب، كلّ ذلك هو الصراط المستقيم حيث يقول ربّنا:

[وَ مَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَ الرَّسُولَ فَأُولئِكَ مَعَ الَّذينَ أَنْعَمَ‏ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَ الصِّدِّيقينَ وَ الشُّهَداءِ وَ الصَّالِحينَ وَ حَسُنَ أُولئِكَ رَفيقاً]

في سورة ابراهيم يقول ربّنا تعالى:

[أَ لَمْ تَرَ إِلَى الَّذينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْراً]

أظهر امثلة نعمة اللّه هي نعمة الرسالة التي كفروا بها، فيكفروا بالنبي صلّى الله عليه وآله ويتّبعون أسيادهم، كذلك من ترك أوصياءه بالحق واتّبعوا غيرهم.

عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع قَالَ: «سَأَلْتُهُ عَنْ قَوْلِ اللَّهِ‏ [أَ لَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْراً] قَالَ نَزَلَتْ فِي الْأَفْجَرَيْنِ مِنْ قُرَيْشٍ وَ مِنْ بَنِي أُمَيَّةَ وَ بَنِي الْمُغِيرَةِ فَأَمَّا بَنُو الْمُغِيرَةِ فَقَطَعَ اللَّهُ دَابِرَهُمْ يَوْمَ بَدْرٍ، وَ أَمَّا بَنُو أُمَيَّةَ فَمُتِّعُوا إِلَى حِينٍ- ثُمَّ قَالَ وَ نَحْنُ وَ اللَّهِ نِعْمَةُ اللَّهِ الَّتِي أَنْعَمَ بِهَا عَلَى عِبَادِهِ- وَ بِنَا يَفُوزُ مَنْ فَازَ»

فمن ابو سفيان الى معاوية ويزيد، هل يُمكن أن يُقاسوا بأهل بيت الذين أذهب الله عنهم الرجز وطهّرهم تطهيراً، ومن لم يُسلّم لولاية الله تجده يُسلّم الى أمثال معاوية، و أي مصير أسود تبتلي به الأمّة حينما تتّبع الفسّاق.

[وَ أَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دارَ الْبَوارِ]

و هؤلاء يجعلون قومهم في منزل الهلاك بسبب كفرهم بالنعم، فيقودون الضعفاء في حرب ضد أصحاب الرسالة، فمصيرهم في الدنيا البوار أمّا في الآخرة فإنّ مصيرهم جميعاً

[جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَها وَ بِئْسَ الْقَرارُ].

 

تدبرات في سورة (إبراهيم) شهر رمضان المبارك / 1441 هـ – (الدرس السادس عشر)

يُقيمُوا الصَّلاةَ

بسم الله الرحمن الرحيم

قُلْ لِعِبادِيَ‏ الَّذينَ آمَنُوا يُقيمُوا الصَّلاةَ وَ يُنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْناهُمْ سِرًّا وَ عَلانِيَةً مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا بَيْعٌ فيهِ وَ لا خِلالٌ

أهم مسؤولية تقع على عاتق المؤمنين هو الخلاص من النار ، كما يلهج السنتهم دائماً بقوله:

[رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَ فِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَ قِنا عَذابَ النَّارِ]

فالخلاص من النار هدف بحدّ ذاته يضاف الى طلب الفوز بالآخرة، كما ورد في الدعاء: «يَا مَوْلَايَ حَاجَتِيَ الَّتِي إِنْ أَعْطَيْتَنِيهَا لَمْ يَضُرَّنِي مَا مَنَعْتَنِي وَ إِنْ مَنَعْتَنِيهَا لَمْ يَنْفَعْنِي مَا أَعْطَيْتَنِي فَكَاكُ رَقَبَتِي مِنَ النَّار»

في هذه الآية المباركة ربّنا سبحانه بعد أن بيّن مصير الذين بدّلوا نعمة الله و کان مصيرهم النار وبئس القرار، يُبيّن طريق الخلاص من العذاب للمؤمنين، فيقول:

[قُلْ لِعِبادِيَ‏ الَّذينَ آمَنُوا يُقيمُوا الصَّلاةَ]

الصلاة ترتبط بكلّ أبعاد حياة الانسان، لا يمكن قياس الفرق بين المُصلّي وغيره، لأنّ الصلاة من جهة صلة بين الانسان وربّه وهي دعاء العبد لربّه، والالتجاء اليه.

وهكذا تُطهّر الصلاة أوساخ الذنوب والأمراض الروحية عند الانسان كالحسد والحقد والتكبر، وقد جاء في الحديث عن النبي صلّى الله عليه وآله قال: «منزلة الصلوات الخمس لامتي كنهر جار على باب أحدكم، فما ظن أحدكم لو كان في جسده درن ثم اغتسل في ذلك النهر خمس مرات في اليوم، أكان يبقى في جسده درن؟ فكذلك والله الصلوات الخمس لامتي»

وعنه (صلى الله عليه وآله): «سمعت مناديا عند حضرة كل صلاة فيقول: يا بني آدم قوموا فأطفئوا عنكم ما أوقدتموه على أنفسكم، فيقومون فيتطهرون فتسقط خطاياهم من أعينهم، ويصلون فيغفر لهم ما بينهما، ثم توقدون فيما بين ذلك، فإذا كان عند صلاة الأولى نادى يا بني آدم قوموا فأطفئوا ما أوقدتم على أنفسكم، فيقومون فيتطهرون ويصلون فيغفر لهم ما بينهما، فإذا حضرت العصر فمثل ذلك، فإذا حضرت المغرب فمثل ذلك، فإذا حضرت العتمة فمثل ذلك، فينامون وقد غفر لهم.»

والصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولَذكر الله اكبر وتعطي الانسان القدرة على مواجهة الصِعاب، ولذلك نجد المجتمع الايماني –مجتمع الصلاة- يواجه التحدّيات لأنّه يستعين بالرب سبحانه وثقافته الايمانية تتجلّى في كلّ الأبعاد، ومنها الإنفاق.

[وَ يُنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْناهُمْ سِرًّا وَ عَلانِيَةً]

ربّنا سبحانه وتعالى أعطى للإنسان قدرات هائلة أكثر من حاجته، وأمرنا سبحانه بالإنفاق وكلّما أنفق الانسان كلّما زاد عطاء الرب له، وكما البئر التي إن لم تستنبط منه الماء يُصبح مُعطّلاً كذلك من لا يستفيد من طاقاته وقدراته تُسلب منه، أمّا ذلك الذي يُنفق فهو كما قال ربّنا سبحانه:

[مَثَلُ الَّذينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ في‏ سَبيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنابِلَ‏ في‏ كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَ اللَّهُ يُضاعِفُ لِمَنْ يَشاءُ وَ اللَّهُ واسِعٌ عَليمٌ.]

والأهم من ذلك أنّهم لا يخافون من المستقبل، كما أنّهم لا يحزنون على الماضي.

الإنفاق بين السر والعلانية

صدقة السر تطفئ غضب الرب، وعلى الانسان أن يجعل انفاقه بإخلاص تام، ولكن تارة تقتضي المصلحة أن يُنفق علناً إمّا لتشجيع الغير أو لوجود تحدّي يقتضي ذلك، وقد جاء في الحديث: عنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ قَالَ: «كُلُّ مَا فَرَضَ اللَّهُ عَلَيْكَ فَإِعْلَانُهُ أَفْضَلُ مِنْ إِسْرَارِهِ وَ كُلُّ مَا كَانَ تَطَوُّعاً فَإِسْرَارُهُ أَفْضَلُ مِنْ إِعْلَانِهِ، وَ لَوْ أَنَّ رَجُلًا حَمَلَ زَكَوةَ مَالِهِ عَلَى عَاتِقِهِ فَقَسَمَهَا عَلَانِيَةً كَانَ ذَلِكَ حَسَناً جَمِيلًا.»

[مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا بَيْعٌ فيهِ وَ لا خِلالٌ]

فلا تستطيع أن تُبدّل بما عندك شيئاً، كما لا تنفعك الشفاعة من قبل الأخلّاء و الأصدقاء.

عن المؤلف

هيأة التحرير

اترك تعليقا