أسوة حسنة

الإِمَامُ عَلِيّ بْنَ أَبِي طَالِب.. نِبْرَاسُ الْحَقِّ، وَمِتْرَاسُ الْحَقِيْقَةِ

عندما يتكلم رسول الله، صلى الله عليه وآله يعني؛ أن الوحي يتكلم على لسانه المطهَّر المقدس، وذلك لقوله ..؟؟

 

  • تقديم نبوي

عندما يتكلم رسول الله، صلى الله عليه وآله يعني؛ أن الوحي يتكلم على لسانه المطهَّر المقدس، وذلك لقوله تعالى: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى}. (النجم: 4).
فكلام رسول الله، صلى الله عليه وآله من كلام الله تعالى، كما أن رسول الله خُلقَ من نور الله في أوَّل الخلق وذلك قبل أن يُخلَقَ الله آدم بآلاف الأعوام، يقول النبي الاكرم: “عليّ مع القرآن، والقرآن مع عليّ”، “عليّ مع الحقّ، والحقّ مع عليّ”، ويقول: “عليّ على الحقّ؛ مَن اتّبعه اتّبع الحقّ، ومَن تركه ترك الحقّ”، و: “عليّ مع الحقّ والقرآن، والحقّ والقرآن مع عليّ، وما يؤيده العشرات من الأحاديث بهذا اللفظ، أو المضمون يعلنه رسول الله، صلى الله عليه وآله إلى الإنسانية ليُنقذها من ظلمات الجهل والجاهلية، ويُدخلهم في أنوار العلم والحضارة الإنسانية.
فالكلام النبوي كلام حقيقي وواقعي وميزان بين الكلام، لا يُحابي، ولا يُداهن أقرباءه ولكن ينطق الحقُّ على لسانه وبيانه، لا سيما وأنه في هذه الروايات يُقرن بين كتاب الله الصامت “القرآن الحكيم”، وكتاب الله الناطق “الإمام علي” عليه السلام، ويؤكد لنا أنهما لن يفترقا في أي ظرف من الظروف في هذه الحياة إلا في السماء حيث الحوض والكوثر والسَّاقي عليه أمير المؤمنين أيضاً.

[.. يقول الرسول الاكرم، صلى الله عليه وآله:

عليّ مع القرآن، والقرآن مع عليّ ..]

  • الإمام علي عليه السلام نبراسُ الحق

وهذا ما دفع ذاك المسيحي ليكتب كتاباً بعنوان: (الإمام علي نبراس ومتراس)، وهو من أجمل الكتب الأدبية التي كُتِبَتْ عن عملاق الإنسانية يقول فيه: ” قلَّة أولئك الرِّجال الذين هم على نسج علي بن أبي طالب عليه السلام، تنهدُ بهم الحياة، موزَّعين على مفارق الأجيال، كالمصابيح، تمتصُّ حشاشاتها لتفتيها هدياً على مسالك العابرين..
وهم – على قلَّتهم – كالأعمدة، تنفرج فيما بينها فسحات الهياكل، وترسو على كواهلها أثقال المداميك، لتومضَ من فوق مشارفها قِبَبُ المنائر، وإنهم في كل ذلك كالرَّواسي تتقبَّلُ هُوجَ الأعاصير وزمجرة السُّحُب، لتعكسها من مصافيها على السفوح خيراتٌ رقيقة رفيقة عذبة المَدافق، هؤلاء هم في كل آن و زمان في دنيا الإنسان أقطابه و روَّاده.
من بين هؤلاء القلَّة يبرز وجه علي بن أبي طالب، عليه السلام في هالة من رسالة، وفي ظلٍّ من نبوَّة، فاضتا عليه انسجاماً واكتمالاً كما احتواهما لوناً وإطاراً، وهكذا توفَّرت السائحة لتُحلِّقَ في أكلح ليل طال دحسه على عصر من عصور الإنسان فيه الجهلُ، والظلمُ، والحيفُ، ما يضمُّ ويذلُّ رجلاً تزاحمت فيه وفرة كريمة من المواهب والمزايا لا يمكن أن يستوعبها إنسان دون أن تقذف به إلى مصافِّ العباقرة”. (أخلاقيات أمير المؤمنين السيد هادي المدرسي: ص485 عن نبراس ومتراس: ص52).
وها نحن رجعنا إلى تلك الجاهلية الجهلاء ولكن في عصر الحضارة الرقمية، والقرية الإلكترونية التي جمعت الأمم والشعوب على المادة ولكن أجبرتهم على نسيان القيم الروحية، والاديان السماوية بكل ما فيها من زخم روحي، وعطاء فكري، وتأثير كبير على معظم شعوب العالم إلا أن هذه الجاهلية برَّاقة لمَّاعة تأسر العقول، وتُدهش الألباب، ولكن جاءت جائحة (الكورونا) التي ضربتها في عنفوانها وأصابتها في الصميم، حتى تحيَّر كبار العلماء والمفكرون من هذا الفيروس الحقير.
فما أحوج الدنيا، وأمم العالم وشعوب الأرض لنورك سيدي ومولاي وإمامي يا علي بن أبي طالب وذلك لأن نورك هو الذي سيكشف هذه الظُلمات، وسيُفك هو الذي سيطيح بتلك الرؤوس الجاهلية التي تغطرست وتكبَّرت، وطغت، وتجبَّرت على خلق الله، فصالوا وجالوا، وربما قالوا ما قاله فرعون: {أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى}، أما آن أن تأخذهم سيدي وتجعلهم {عِبْرَةً لِمَنْ يَخْشَى}؟
فالكرة الأرضية كلها بأرضها، وسماءها، وبرِّها، وبحرها وكل شعوبها تئنُّ من الظلم والجور، وتضجُّ من فداحة الفساد الذي لفَّها من عاليها لسافلها، ومن مشرقها إلى مغربها، وصدق عليها قول ربنا سبحانه وتعالى: {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ}. (الروم: 41).

  • الإمام علي عليه السلام متراس الصدق

هذه رقيقة صادقة صدق الحقيقة، وذلك لأن أمير المؤمنين، عليه السلام جعله الله سبحانه لنا ولياً وإماماً ليقودنا إلى الفضائل والمَكرُمات، ويبني فينا تلك الرسالة السماوية الراقية جداً، على مستوانا كأفراد أو على مستوى الأمة الإسلامية كلها، أو حتى على مستوى شعوب الأرض وأممها لأنه مقياس وميزان إنساني عام وليس خاصاً بأحبابه وشيعته، ولا حتى في المسلمين الذين يفتخرون به، ويلوذون به كلما عضَّهم الدَّهر الخؤون.
فهو متراس الصِّدق ونبراس الحق، كما بيَّن رسول الله صلى الله عليه وآله، ولا تغرَّنكم تآمر صبيان النار وفروع الشجرة الملعونة في القرآن الأموية عليه منذ جدِّه هاشم الخير، فهذا ديدنهم، ودينهم دنانيرهم، وهمَّهم تسلطهم، وجميل ما قاله جناب السيد المرجع المدرسي في ذلك: “أنشبت بنو أمية أظفارها في السلطة، وبدأت تنهب أموال المسلمين نهبًا، وتبني بها حزبها السياسي، وقوّتها العسكرية، ولأنها كانت ذات نفوذ سياسي قبل الإسلام، ولها علاقات مع القوى السياسية والعسكرية في الجزيرة، وتجارب سياسية، ولأن سماحة الإسلام وضعف بعض‏ القيادات هيَّأت لهم فرصة النمو في الظل، فقد حافظوا على أفكارهم وتقاليدهم وعلاقاتهم، بل وهيكلية قيادتهم طوال الفترة التي كانوا بعيدين فيها عن السلطة ظاهرًا، بالرغم من تداخلهم فيها.
بل إن أبا سفيان، وهو قائدهم في الجاهلية ومُوجِّههم في الإسلام، يزور الخليفة الثالث(الأموي)، فيجد عنده حاشيته من بني أمية، فيسأل جليسه: «هل في الحضور غريب؟»، وكان قد كُفَّ بصرهُ آنئذٍ، فلما أجابه بالنفي واطمأن أبدى ما يجول في خاطره، فخاطب قومه: «تلقَّفوها يا بني عبد (مناف) تلقُّف الصبيان للكرة، فَوَالذي يحلف به أبو سفيان لا جنَّة ولا نار!، فقام إليه الإمام علي، عليه السلام الذي كان حاضرًا في طرف المجلس فنهره، فقال أبو سفيان: العتب ليس عليَّ وإنما على الذي غرَّني وقال: لا غريب بين الحضور”. (الإمام علي قدوة وأسوة: ص74).

[.. ما يجري اليوم في منطقتنا على امتداها لا سيما في العراق الجريح، والشام الصامدة، واليمن المقاوم، والبحرين المحتلة ما هو إلا مخططاً لإعادة أمجاد معاوية بن هند الهنود، وإحياء الجاهلية بالفكر السلفي البغيض، حيث التكفير بحق الأمة الإسلامية كلها ..]

وأخرج ابن عساكر في تاريخه عن أنس: إن أبا سفيان دخل على عثمان بعد ما عَمِيَ، فقال: هل هنا أحد؟ فقالوا: لا. فقال: اللهم اجعل الأمر أمر جاهلية، والمُلك ملك غاصبية، واجعل أوتاد الأرض لبني أمية.
وقال ابن حجر: كان رأس المشركين يوم أحد ويوم الأحزاب، وقال ابن سعد في إسلامه: لما رأى الناس يطؤون عقب رسول الله حسده فقال في نفسه: لو عاودت الجمع لهذا الرجل؛ فضرب رسول الله في صدره ثم قال: “إذا يخزيك الله”: وفي رواية: قال في نفسه: ما أدري لم يغلبنا محمد؟ فضرب في ظهره وقال: “بالله يغلبك”. (الإصابة 2: 179).
وإن سألت مولانا أمير المؤمنين عن الرجل فتكون على الخبير سقطت فيُعطيك الحقيقة كما هي بكل أمانة وصدق، قال فيه: “معاوية طليق ابن طليق، حزب من هذه الأحزاب، لم يزل لله عز وجل ولرسوله (صلى الله عليه وآله) وللمسلمين عدوا هو وأبوه حتى دخلا في الإسلام كارهين”.
وما يجري اليوم في منطقتنا على امتداها لا سيما في العراق الجريح، والشام الصامدة، واليمن المقاوم، والبحرين المحتلة ما هو إلا مخططاً لإعادة أمجاد معاوية بن هند الهنود، وإحياء الجاهلية بالفكر السلفي البغيض، حيث التكفير بحق الأمة الإسلامية كلها، والقتل والتهجير بأبناء أمير المؤمنين، عليه السلام وأحبائه، وشيعته، ولكن تحت راية الصهيووهابية المجرمة بكل مَنْ وراءها من جيوش الاستكبار والطغيان العالمي.
وما لنا نبراس ولا متراس إلا أمير المؤمنين عليه السلام، وفكره الرَّاقي، ونهجه العالي وكلما تمسكنا به انتصرنا وكلما ابتعدنا عنه تشتتنا واستفرد بنا عدوِّنا واحداً تلو الآخر حتى يأتي علينا جميعاً، ولا يظن أحدٌ من المؤمنين يوماً أن العدو اللدود يصير صديقاً وفياً إلا لمكيدة، أو كمين ينصبه لهم لأن؛ (عدوِّك وعدو جَدِّك، لا يحبك ولا يودُّك) كما في المثل الشامي.
فالعالم المتحضِّر منذ بداية القرن يسعى إلى الإمام علي عليه السلام، ويُسميه حكيم الشرق، والأمم والشعوب كلها تبحث عن حكمته وفلسفته الإنسانية، وعدالته الاجتماعية، فلماذا نحن أبناؤه نتركه ونبحث عن الماء في سراب الصحراء؟
فمَنْ يملك علياً كعليِّنا عليه أن يحكم الأرض، ويقيم حضارة الإنسان الحق فيها.

عن المؤلف

الحسين أحمد كريمو

اترك تعليقا