إنّ لكل مناسبة تمر علينا من مناسبات أهل البيت عليهم السلام جانبين؛ جانب استذكار تلك المناسبة وتعظميها و احيائها باحتفال أو مأتم حسب ما يُناسبها، وهذا هو جانب الشعائر، حيث بإحيائها اظهاراً لمحبة أهل البيت وتعظيما لشعائر الله وفي ذلك أجر عظيم.
اما الجانب الآخر فهو ما يرتبط بالمشاعر، وهو العبور من الشعائر إلى المشاعر حيث نحاول أن نتعرف على سيرة صاحب تلك الذكرى، ونطلع على حياته، لنجعله قدوة لنا ومنهاجا نسير عليه، وسلوكا نتبعه.
ونحن إذ نقف هذه الأيام أمام ذكرى عظيمة ومناسبة جليلة، ألا وهي ذكرى ولادة السبط الأكبر، الإمام الهمام، الحسن بن علي المجتبى عليه السلام، نحاول أن نتعرف على بعض سيرته، ونغترف من ذلك البحر المعطاء.
ولكننا نحتار من أين نبدأ، وعن أي خصلة فيه نتكلم؟ وأي ميزة فيه نذكر؟ وهو كله مزايا، فجل ما نقول فيه أنه الحسن، وهذا يكفي لتعريفه.
[.. يعطي الإمام الحسن، عليه السلام درسا عظيما لكل من أراد أن يصبح حاكما أو يكون قائدا وهو؛ أن الشخص الذي يريد أن يكون حاكما من أجل خدمة الأمة ليس بالضرورة أن يشغل نفسه بالصراعات والحروب من أجل أن يثبت عرشه ..]
ولكن ونحن نمر على ذلك البحر المعطاء لابد لنا من أن نغترف منه غرفة، ففي حديثنا عن سيرة هذا الإمام العظيم نركز على أمرين فيها ونحاول أن نتعرف عليهما من خلال سيرته المباركة وهما؛
أولاً: الشجاعة، وما حقيقتها؟
ثانياً: الإخلاص في الحكم، وكيف يكون؟ وماذا يفعل الحاكم المخلص؟
عندما نتتبع سيرة الإمام المجتبى نجدها مليئة بالشجاعة، إذ أنه عليه السلام كان يمثل قمة الشجاعة وحقيقتها، حيث أن الشجاعة ليس فقط تعني حمل السلاح ومحاربة الانداد ومواجهة المخالفين، وإنما الشجاعة تعني القدرة على اتخاذ القرار المناسب حسب ما يقتضيه الظرف والاستعداد لمواجهة تبعات ذلك القرار، كما أنها تعني العطاء والتضحية والجود.
فالذي يعطي نفسه ويضحي بها في سبيل الله يسمى شجاعا، كذلك الذي يعطي ويجود بما يملك ولا يتردد في ذلك فهو الشجاع، وامامنا الحسن كان رمزا للعطاء والشجاعة فهو الذي خاض حروبا ومعارك طاحنة على عهد ابيه الإمام علي، عليه السلام، وكذلك بعدَ ابيه قد جاهد المنافقين وتصدى لهم ولكن عندما رأى أن حمل السلاح قد لا يحقق له هدفه، فاتتخذ قرارا شجاعا في معاهدة الصلح مع معاوية وهذا القرار يمثل قمة الشجاعة.
[.. عندما نتتبع سيرة الإمام المجتبى نجدها مليئة بالشجاعة، إذ أنه عليه السلام كان يمثل قمة الشجاعة وحقيقتها، حيث أن الشجاعة ليس فقط تعني حمل السلاح لمواجهة المخالفين، وإنما الشجاعة تعني القدرة على اتخاذ القرار المناسب حسب ما يقتضيه الظرف والاستعداد لمواجهة تبعات ذلك القرار ..]
إذ أن الحروب لا تجنِ غيرَ الدمار والخراب وسفك الدماء وزيادة الفقراء، والإمام، عليه السلام كان هدفه خدمة الرعية وإصلاح حالهم، فتنازل عن حقه من أجل حقن دماء المسلمين ومن أجل أن يأخذ فسحة في تحقيق أهدافه في خدمة الأمة، إذ أنه ترك الصراعات والحروب وتوجه لخدمة الفقراء والمستضعفين، فكان يعطي بلاحدود حتى سمي بكريم أهل البيت، وهو الذي خرج من ماله مرتين في سبيل الله وقاسم الله في ماله ثلاث مرات، اي انه أعطى كل ما يملك في سبيل الله من أجل خدمة الفقراء وقد فعل ذلك مرتين، وايضا أعطى نصف مايملك في سبيل الله وقد فعل ذلك ثلاث مرات، ففي هذا الفعل يعرفنا الإمام على الحاكم المخلص وكيف يعمل، فهو حقا كان مثال الحاكم المخلص الذي يتنازل عن حقه ويفني عمره في سبيل خدمة رعيته.
وبذلك يعطي الإمام الحسن، عليه السلام درسا عظيما لكل من أراد أن يصبح حاكما أو يكون قائدا وهو؛ أن الشخص الذي يريد أن يكون حاكما من أجل خدمة الأمة ليس بالضرورة أن يشغل نفسه بالصراعات والحروب من أجل أن يثبت عرشه ويحافظ على منصبه وذلك على حساب شعبه، بل إن الحاكم المخلص هو الذي يتنازل عن حقه الشخصي وعن مصالحه في سبيل خدمة المجتمع، فليس بالضرورة أن تكون بمنصب كبير حتى تخدم الفقراء و المستضعفين، بل يمكنك ذلك حتى وإن تخليت عن منصبك، فخدمة الفقراء متاحة لكل شخص ولكل زمان ومكان.
ونحن إذ تمر علينا هذه المناسبة المباركة علينا أن نتفاعل معها، ونجعل من صاحبها قدوة لنا نتعلم منه ونسير على دربه، فلابد لكل مؤمن يوالي الإمام الحسن، عليه السلام أن يتعلّم منه الشجاعة في العطاء، والبذل في سبيل الله، ومن أجل خدمة الفقراء وخصوصا في هذا الشهر الكريم، والذي لابد أن تكون لنا مساهمات في العطاء للفقراء والمستحقين، ولا نبخل عليهم بما أعطانا الله وأنعم علينا فهو عز وجل القائل: {وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ}.