تدبرات في سورة (إبراهيم) شهر رمضان المبارك / 1441 هـ – (الدرس الحادي عشر)
أعمالهم كرماد
بسم الله الرحمن الرحيم
[مَثَلُ الَّذينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أَعْمالُهُمْ كَرَمادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ في يَوْمٍ عاصِفٍ لا يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُوا عَلى شَيْءٍ ذلِكَ هُوَ الضَّلالُ الْبَعيدُ (18) أَ لَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ بِالْحَقِ إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَ يَأْتِ بِخَلْقٍ جَديدٍ] (19)
أليس للإنسان ما سعى؟ وأنّ سعيه سوف يرى؟ أولا يقول ربّنا تعالى: [فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَه ]؟
فلماذا لا يستحقّ الكفّار جزاءً ولا شكوراً لأعمالهم؟
في الجواب على ذلك نقول: لأنّ محور الخليقة هو الحق المتجلّي في كلّ أبعاد الحياة، فمن يخالف الحق، ويتحرّك بالضد من سنن الرب في الكون فمن الطبيعي أن يكون سعيه هباءً، كما الباني على الرمل، أو الزراع في أرض سبخة، فهو لا يحصد شيئاً.
الكفّار الذين لا يقبلون نظام الحق ويصطدمون به لا يستحقّون ثواباً، وكما قال ربّنا سبحانه في سورة الفرقان: [وَ قَدِمْنا إِلى ما عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْناهُ هَباءً مَنْثُوراً]
في هذه الآيات المُباركة المترابطة التي تُبيّن هذه الحقيقة وفلسفتها ربّنا سبحانه تعالى يقول:[مَثَلُ الَّذينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أَعْمالُهُمْ كَرَمادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ في يَوْمٍ عاصِفٍ]
أي يومٌ اشتدت الرياح فيه عصفاً، منذ بدايته إلى نهايته، إن الرماد ينبث في الفضاء بسبب عدم استقراره على أساسٍ ثابت، و عدم وجوده في حصن منيع، كذلك العمل الذي لا ينبعث من أرض الإيمان الصادق، و لا يحصّنه المنهاج السماوي.
[عاصِفٍ لا يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُوا عَلى شَيْءٍ]
العمل الذي ليس فيه هدف القُربة الى الله لا أجر له.
[ذلِكَ هُوَ الضَّلالُ الْبَعيدُ]
كلّما زاد في المسير كلّما ابتعد عن الهدف أكثر، هكذا سعي الكافر يضرّه أكثر.
ثمّ يُبيّن ربّنا سبحانه فلسفة ذلك فيقول:
[ أَ لَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ بِالْحَقِ]
والحق الحاكم على البشر وعلى كلّ نظام الخليقة.
[إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَ يَأْتِ بِخَلْقٍ جَديدٍ]
فالخطر لا يختصّ بأعمال الانسان بل يهدد وجوده لأنّ من يصطدم بالحق ويخالفه فإنّ نصيبه الهلاك.
والتاريخ أكبر شاهدٍ على ذلك وما حدث للأقوام السابقة، ولا يعلم جنود الرب الّا هو، واليوم أيضاً حيث يعيش الناس أزمة الوباء العالمي لابدّ من التوجّه الى الله و عدم مخالفة الحق.
ومن هنا على الانسان أنّ يجعل أعماله متوافقة مع الحق وذلك باتّباع رسله وأولياءه وجعل الحق الذي أنزل به القرآن وبيّنه الائمة الأطهار ميزاناً للعمل الصالح.