ثمة اسباب حكيمة تتوارى خلف تشريع صيام شهر في السنة و لعل الاية الكريمة في سورة البقرة اختصرتها بكلمتي {لعلّكم تَتَقون}.
و عندما نبحث في السنة الشريفة عن بيان تشريع الصيام و مفهومه نجد ان امير البيان (عليه السلام) يعلل رجوعه الى امرين: الجوع و العطش، ويأتي بنتيجته الاستدلالية على “فقر الاخرة ” و كأنه يقول : الصيام يعلمكم معنى ان تكون فقيرا في الاخرة من دون عمل ترتقي به في الدرجات العُلى ان لم تزود نفسك في الدنيا بما يعطيك رخصة الدخول الى الجنة .
و لشهر رمضان المبارك فوائد بدنية جمّة يمكن استخلاصها ببعض النقاط منها :
اولا : تعزيز التحكّم في نسبة السكر في الدم عن طريق الحدّ من السعرات الحرارية، التي بدورها تحدّ من مقاومة الأنسولين.
ثانيا : يُعد طريقا لمكافحة الالتهابات، و كما عده المختصون محسنا لضغط الدم و بالتالي يعزز صحة القلب .
ثالثا : يُعزز وظيفة الدماغ ويمنع الاضطرابات العصبية.
و فضلا عن هذا كله فله فوائد معنوية عظيمة يمكن من خلالها الخروج بنتيجة التزكية على نحو تام من براثن المآثم و الخطايا و الشروع بحياة جديد خالية من الادران .
و يمكن من خلال ذلك ان نتخذ هذه الفعالية في التغيير سببا، لان يبسط الله تعالى مائدته الواسعة و المليئة باطباق النعم و يقيد الشيطان المعروف بغواياته؛ كي يسهل للعباد احراز التقوى المرجوة من الصيام، والمعلوم انه شهر يتفرغ فيه المسلم للتزود من عطاء الله الذي لا ينفد من رحمة و تزكية و وتهذيب النفس.
ذلك انه شهر تهطل فيه النعم على العبد و تتزين في الجنان لاستقباله كما روي عن جابر عن رسول الله : “يقول الله -عز وجل- لجنته : تزيني واستعدي لعبادي يوشك أن يستريحوا من نصب الدنيا وأذاها ويصيروا إلى دار كرامتي”.
ولكنّ!
-
ثمة سؤال:
هل حقا تتزين الجنة عبثاً للمسلمين؟ أم ينالوا المغفرة من دون سعي و تحريك عزيمة ليستحقوا تلك المغفرة؟
ذلك ان المغفرة لا تنال الصائم الذي منع بطنه من الاكل والشرب فحسب، ثم ملأ وقته بالحرام من نظر و سمع و حتى فعل .
إن العطايا مشروطة بالعمل كما نقل عن الإمام الباقر،عليه السلام قوله : “يا جابر من دخل عليه شهر رمضان ، فصام نهاره ، وقام ورداً من ليلته، وحفظ فرجه ولسانه ، وغضّ بصره، وكفّ أذاه ، خرج من الذنوب كيوم ولدته أمه ، قلت له : جعلت فداك، ما أحسن هذا من حديث! قال : ما أشدّ هذا من شرط”!
[.. يمكن ان نطوي هذه المائدة الرمضانية بالتوكل على الله، و الإرادة، على ان لا نجلس عليها بتاتا، بالمقابل متابعة تلك المسلسلات ذات الرسالة الحميدة و البرامج التثقيفية . و نحاول قدر الاستطاعة ملء اوقات الفراغ بعد الافطار بقراءة القرآن الكريم و دعاء الافتتاح الذي يكون بمثابة عازل بين المائدتين ..]
و الحق ان في الحديث نقطة مهمة ذكرتها انفا و هو العمل، و بعبارة اخرى يتطلب الأمر صيام كلي بالجوارح و الجوانح و ليس فقط من الاكل والشرب الذي يعد صوما جزئيا، حيث لا ينال فيه الا الجوع و العطش .
و هنا يقف المسلم امام تحدٍ كبير و هو “المائدة الشيطانية”! المترعة بالمفاسد .
و قد يقفز سؤال : كيف للشيطان ان تكون له مائدة يغوي بها الناس مادام الله قد قيد عمله و كبل ارادته؟!
الجواب بكل سهولة؛ النفس و الناس.
أجل؛ انها النفس الامارة، و من غيرها المُزينة للناس المفاسد على انها اشياء يمكن البت بها من دون شعور بخطرها المحدق بنا.
أما الناس فأعني بهم شياطين الانس الذين يستقطبون الاخرين ليترعوا في حمأة الذنوب، ففي قبال مائدة الله هناك مائدة الشيطان الزاخرة بباقات رمضانية مختصة بهذا الشهر الفضيل، و منها القنوات التي تبث المسلسلات المليئة بالاشكالات في الشكل و المضمون، و برامج “الحزورات” الغاصّة باسئلة التي لا تغني و لاتسمن من جوع، فضلا عن الامسيات الصادحة بالشعر المحرم و الغناء .
و كل هذه البرامج تبدأ من بعد الافطار حتى وقت السحر، حيث يخلو وقت المسلم من برنامج عبادي يطرح عنه تلك الاعباء الدنيوية الثقيلة ليخرج صافيا كما هو مقرر .
و يمكن ان نطوي هذه المائدة بالتوكل على الله، و الإرادة، على ان لا نجلس عليها بتاتا، بالمقابل متابعة تلك المسلسلات ذات الرسالة الحميدة و البرامج التثقيفية . و نحاول قدر الاستطاعة ملء اوقات الفراغ بعد الافطار بقراءة القرآن الكريم و دعاء الافتتاح الذي يكون بمثابة عازل بين المائدتين.
فالمناجاة كفيلة في ترويض انفسنا و جعلها تهفو وتنجذب لدعوة الله الكريمة، و رفض دعوة الشيطان.