تدبرات في سورة (إبراهيم) شهر رمضان المبارك / 1441 هـ – (الدرس الثامن)
يُؤَخِّرَكُمْ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى
بسم الله الرحمن الرحيم
[قالَتْ رُسُلُهُمْ أَ فِي اللَّهِ شَكٌ فاطِرِ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَ يُؤَخِّرَكُمْ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى قالُوا إِنْ أَنْتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ مِثْلُنا تُريدُونَ أَنْ تَصُدُّونا عَمَّا كانَ يَعْبُدُ آباؤُنا فَأْتُونا بِسُلْطانٍ مُبينٍ] (10)
معرفة الرسول تكون بالرسالة، ولكن كيف؟
رسالة الانبياء من حيث المحتوى والبيان تختلف جوهرياً مع كافّة المناهج الإصلاحية، فهي ليست دعوة للذات بل الى الرب المُتعال، كذلك رسالة الأنبياء تبلور فطرة الانسان وتثير دفائن العقول ليُصدّق العقل الفطرة، ففي داخل الانسان رسولٌ باطن يُصدّق رسالة الأنبياء وبذلك يتمّ الحجّة على البشر.
الحضارة والقيم
الحضارات البشرية تبدأ من القيم السامية كالإيمان والصدق والتعاون و..الخ وحين تتحوّل القيم عند مجموعة من البشر الى ثقافة تنعكس على سلوكهم تتشكّل المدنيات والحضارات ولكن ومع الزمن قد تُفرّغ الحضارات من محتواها وهي القيم ويتمسّك ابناءها بالقشور التي هي نتاج الحضارات كناطحات السحاب والتقدّم التقني، ولكن وبسبب فقدان القيم يبدء السير النزولي عندهم، ولو تأمّلنا في التاريخ سنجد أنّ بعثة الأنبياء كانت في هذه المرحلة أي حين بدء تهاوي الحضارة، كانوا يُنذرون الناس من انقلاب القيم وانحراف السلوك ويدعوهم الى الاستغفار وتصحيح المسار، فإن آمنوا بالنبي أنقذوا حضارتهم وأنفسهم، وهكذا لو عرف الناس أنّ دعوة الأنبياء والمُصلحين إنّما هي في مصلحتهم يكون ذلك مدعاة لإيمانهم.
وكما نجد اليوم الوباء العالمي الذي خيّم كغيمة سوداء على البشرية وما أنتج من المضار الاقتصادية التي قد تتحوّل الى صراعات وحروب، ونجد المُصلحين يوجّهون الناس الى معاجلة سبب ذلك وهو الانحراف القيمي الذي شاع بين البشر، اقول كما نجد اليوم ذلك كذلك كان في التاريخ حيث كان البشر يواجهون مشاكل عديدة تدلّهم على غضب الرب، ففي مصر كان الأقباط يلجئون الى موسى في كلّ مرّة ينزل عليهم عذاب القمّل والضفادع والدم..والخ وكان النبي موسى يدعوا الرب ليكشف البلاء عن الناس، وهكذا سائر الأنبياء.
يقول ربّنا تعالى: [قالَتْ رُسُلُهُمْ أَ فِي اللَّهِ شَكٌ فاطِرِ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ]
كانت تلك دعوة جميع الأنبياء حيث لم يدعوهم الى أنفسهم بل الى الرب المُتعال، واذا انتفي الشك في اللّه، فان كل شك و ريب آخر في الرسالة سيكون باطلا، لأنه هو الذي بعث بالرسل، و أظهر على أيديهم المعاجز.
[يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ]
فهو الغني عنكم يريد أن يغفر لكم
[وَ يُؤَخِّرَكُمْ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى]
ونتيجة الايمان وتصحيح المسار هو النجاة من العذاب الإلهي الذي ينتظر كلّ من يخالف السنن الإلهية.
[قالُوا إِنْ أَنْتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ مِثْلُنا]
و كيف نقبل بولايتكم علينا أم كيف يخصكم اللّه بالرسالة من دوننا، و كان من ضعف ثقتهم بأنفسهم كبشر انهم لم يصدقوا أنفسهم ان يبعث اللّه إليهم بشرا رسولا.
[تُريدُونَ أَنْ تَصُدُّونا عَمَّا كانَ يَعْبُدُ آباؤُنا]
ثم قالوا إنّ تعاليمكم مخالفة لتقاليدنا التي ورثناها من آبائنا و تعودنا عليها، وهكذا حينما تبتلى البشرية بانحراف القيم الذي يدعوهم الى العصبّية الى الآباء أو الى القومية أو الى عِرقٍ مُعين فذلك نذيرٌ بهلاكها.
[فَأْتُونا بِسُلْطانٍ مُبينٍ]
فطالبوهم بحجة أقوى من مجرد التذكرة، بحجة مادية مثل احياء الموتى و تفجير ينابيع الأرض ذهبا، و العروج الى السماء.
وبكلمة كانت دعوة الأنبياء هي اخراج البشر من الظلمات الى النور ومن الإنحراف الى الصراط المستقيم ومن الذاتيات والعصبيات الى ما فيه رضوان الرب سبحانه وبذلك تدوام النعم عليهم.