يتواصل سماحة المرجع الديني آية الله العظمى السيد محمد تقي المدرسي، دام ظله، في دروس التدبر التي يلقيها خلال شهر رمضان المبارك في كل عام، وتدبرات سماحته في العام الحالي هي حول سورة ابراهيم، وفيما يلي الدرس الخامس، كما وردنا…
تدبرات في سورة (إبراهيم) شهر رمضان المبارك / 1441 هـ – (الدرس الخامس)
ثمرة الشّكر زيادة النّعم
بسم الله الرحمن الرحيم
[وَ إِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ أَنْجاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذابِ وَ يُذَبِّحُونَ أَبْناءَكُمْ وَ يَسْتَحْيُونَ نِساءَكُمْ وَ في ذلِكُمْ بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظيمٌ (6) وَ إِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزيدَنَّكُمْ وَ لَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذابي لَشَديدٌ] (7)
لماذا ينقسم الناس بين شاكرٍ وكفور؟ وكيف يتحوّل الشكر الى نعمة والى الحكمة؟ كما يقول ربّنا سبحانه في سورة لقمان: [وَ لَقَدْ آتَيْنا لُقْمانَ الْحِكْمَةَ أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ وَ مَنْ يَشْكُرْ فَإِنَّما يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَ مَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَميدٌ][1]
بينما يكون الكفران في الكفّة المقابلة ويستوجب العذاب الشديد؟
لو استطعنا أن نستوعب حقيقة الشكر سيتغيّر كثير من أبعاد حياتنا وخصوصاً ونحن في هذا الشهر الفضيل لابدّ من البحث عن تحوّل عميق في شخصيتنا.
يعني الشكر اولاً التحسّس بالنعمة لأنّ الانسان لا يدرك الكثير من النعم الّا بعد فقدانها أو التفكّر فيمن سُلبت منهم هذه النعمة، ومن هنا جاء في الحديث وعن الباقر عليه السلام أنه قال: «إذا رأيت مبتلى فقل: الحمد لله الذي عافاني مما ابتلاك به، وفضلني عليك وعلى كثير ممن خلق تفضيلاً»[2]
وفي الحديث عن النبي صلّى الله عليه وآله: «إذا رأيتم أهل البلاء فاحمدوا الله، ولا تسمعوهم، فان ذلك يحزنهم.»[3]
ومن هنا ذكّر النبي موسى عليه السلام بني اسرائيل بالنعِم الربّانية العظيمة التي شملتهم حيث أنجاهم الله تعالى من آل فرعون ومن تلك الجرائم التي كانت تُرتكب بحقّهم وهو أحد أبعاد الشكر.
أمّا البُعد الثاني للشكر هو اللسان؛ وقد ورد في الأثر أنّه خرج أبو عبد الله عليه السلام ذات يوم من المسجد وقد ضاعت دابّته، فقال:
«لَئِنْ رَدَّهَا اللَّهُ عَلَيَّ لَأَشْكُرَنَّ اللَّهَ حَقَ شُكْرِهِ، قَالَ: فَمَا لَبِثَ أَنْ أُتِيَ بِهَا؛ فَقَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ فَقَالَ لَهُ قَائِلٌ جُعِلْتُ فِدَاكَ أَ لَيْسَ قُلْتَ لَأَشْكُرَنَّ اللَّهَ حَقَ شُكْرِهِ فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ ع أَ لَمْ تَسْمَعْنِي قُلْتُ الْحَمْدُ لِلَّهِ.»[4]
فحمد الله سبحانه وتعالى وحده وشكره عزّ وجلّ من أبعاد الشكر، أمّا المرتبة الثالثة من الشكر فهو العمل، حيث يؤدّي الانسان مسؤوليته تجاه النعمة من حيث أداء زكاته فزكاة المال إنفاقه وزكاة الجاه بذله وزكاة العلم نشره، وهكذا بأداء زكاة النعمة تُحفظ النعمة عند من لا تضيع عنده الودائع.
لكن كيف يصل الانسان الى الشكر؟
اولاً: علي الانسان أن يتعامل مع النعم بإيجابية وقناعة، لأنّ بكفران النعم يفقد الانسان ما لديه ولكن بالقناعة والشكر يحصل الانسان على المزيد، جاء في الحديث عن الامام أمير المؤمنين عليه السلام: «إِذَا وَصَلَتْ إِلَيْكُمْ أَطْرَافُ النِّعَمِ فَلَا تُنَفِّرُوا أَقْصَاهَا بِقِلَّةِ الشُّكْر.»[5]
ثانياً: أن يطمح الانسان دائماً لمزيد من النِعم الالهية من هنا جاء في الدعاء: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ مِنَ الْخَيْرِ كُلِّهِ: عَاجِلِهِ وَآجِلِهِ، مَا عَلِمْتُ مِنْهُ وَمَا لَمْ أَعْلَمْ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنَ الشَّرِّ كُلِّهِ عَاجِلِهِ وَآجِلِهِ، مَا عَلِمْتُ مِنْهُ وَمَا لَمْ أَعْلَمْ.»
بنو اسرائيل والشكر
للعادة سلبيات سلوكية، و الركون الى النعم عادة سلبية إذ ينسى البشر أسبابها، و علينا مقاومة حالة الاطمئنان الساذج بهذه النعم عن طريق تذكر الأوضاع السابقة، و تذكر الذي غيّرها بأحسن منها و هو اللّه، و نتساءل أبدا كيف كنا، و لماذا أنجانا اللّه؟! و هكذا أمر موسى قومه بتذكر أيام استضعاف فرعون لهم، و كيف أنجاهم اللّه من عذابه.
[اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ أَنْجاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذابِ]
اي يذيقونكم عذابا أليما يتمثل فيما يلي:
[وَ يُذَبِّحُونَ أَبْناءَكُمْ وَ يَسْتَحْيُونَ نِساءَكُمْ]
إنّهم كانوا يقتلون أبناء النساء الخادمات لكي لا تنشغل النساء عن خدمتهم. أو كانوا يفعلون ما هو أعظم و أشد ضررا على كرامة الإنسان.
ثم يقول ربّنا تعالى بكلّ جلاء ووضوح:
[وَ إِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزيدَنَّكُمْ وَ لَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذابي لَشَديدٌ] (7)
فمن يشكر ينزل عليه الرب سبحانه المزيد من النعم أمّا الكافر ينتظره العذاب الشديد.
____________________________________
[1] سورة لقمان، الآية 12.
[2] طب الأئمة: ١١٢.
[3] مكارم الأخلاق: ٤٠٤.
[4] الكافي (ط – الإسلامية)، ج2، ص: 97
[5]تصنيف غرر الحكم و درر الكلم، ص: 280