تدبرات في سورة (إبراهيم) شهر رمضان المبارك / 1441 هـ – (الدرس الرابع)
ذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ
بسم الله الرحمن الرحيم
[وَ ما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ بِلِسانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشاءُ وَ يَهْدي مَنْ يَشاءُ وَ هُوَ الْعَزيزُ الْحَكيمُ (4)
وَ لَقَدْ أَرْسَلْنا مُوسى بِآياتِنا أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ وَ ذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ إِنَّ في ذلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ ](5)
تكتسب كل أمّة تجارباً ترسخ في ثقافتها مع الزمن وينعكس ذلك على سولك ابناء الأمّة وألسنتهم؛ و حينما يُبعث الرُسُل فإنّهم يُذكرّون الأمم بتلك الحقائق ويُرجعوهم الى ذكر ايجابيات الثقافة التي يحملوها وبيان السلبيات لأجل ترميمها.
على سبيل المثال حينما بُعث النبي الاكرم صلّى الله عليه وآله كانت الحوادث التاريخية التي مرّت سواءً على قوم سبأ في جنوب الجزيرة العربية أو الأقوام الأخرى كقوم لوط وثمود في شمال الجزيرة العربية، كانت هذه الحوادث حاضرة عند الناس كذلك ما جرى لأصحاب الفيل أيضاً، وهكذا نجد ذكر هذه القصص في القرآن الكريم والاستشهاد بها لإصلاح الأمّة في عهد النبي صلّى الله عليه وآله؛ كذلك النبي موسى عليه السلام ذكّر قومه بأيّام الله كغرق فرعون وجنوده في اليم.
بالرغم من أنّ كلّ الأيّام هي أيّام الله لكن تجلّي قدرة الرب سبحانه تعالى في بعض الأيّام يجعل لها قيمة خاصّة؛ وهذه في الحقيقة وسيلة للإصلاح حيث يُذكّر الناس ببعض الحقائق التي يعلموها والتي يتحدّثون بها.
يقول ربّنا تعالى: [وَ ما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ بِلِسانِ قَوْمِهِ]
فليس اللسان بمعنى اللغة فقط وإنّما ما يعكس من ثقافة الأمم.
[ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشاءُ وَ يَهْدي مَنْ يَشاءُ]
مسؤولية الأنبياء التبليغ والبيان، ولا يجبرون أحد على الهداية، إنّما من يستجيب لدعوة الأنبياء ويبحث عن الحقيقة يصل الى الهداية.
[وَ هُوَ الْعَزيزُ الْحَكيمُ]
فلا يضل أحدا أو يهديه الا بحكمته البالغة.
و التاريخ يشهد على هذه الحقيقة، فعند ما أرسل ربنا موسى بآياته التي تستجلي الفطرة، و تبهر العقل، بعصاته و يده البيضاء، و أمره اللّه بان يذكرهم بأيام اللّه حين ينتصر المظلوم على الظالم في الدنيا و الآخرة، لعله يخرجهم بهذه التذكرة من الظلمات الى النور.
[وَ لَقَدْ أَرْسَلْنا مُوسى بِآياتِنا أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ]
أخرجهم من ظلمات الجهل والغفلة والأنانية والتكبّر الى نور الايمان والعقل والوجدان.
[وَ ذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ]
فجاء ذلك اليوم الذي أغرق اللّه فيه فرعون و قومه سريعا، و أورث بني إسرائيل أرضهم و ديارهم
[إِنَّ في ذلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ]
من يستشرف المستقبل يملك قيمة الصبر أمّا الشكور فهو الذي يستفيد من الماضي ويستشعر النعم الالهية عليه، ومن يملك الشكر يملك الصبر أيضاً فحين يواجه صعوبة يتذكّر أنعم الله تعالى عليه في الماضي وكما جاء في بعض الأدعية عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام أَنَّهُ قَالَ: (( اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ صَبْرَ الشَّاكِرِينَ لَكَ وَ عَمَلَ الْخَائِفِينَ مِنْكَ وَ يَقِينَ الْعَابِدِينَ لَك.))[1]
وهكذا هي العلاقة بين الصبر والشكر حيث أنّ شعور المرء بالنِعم الإلهية يجعله صابراً على البلاء والنقص في حياته.
[1] مصباح المتهجد و سلاح المتعبد، ج2، ص: 802.