شهر رمضان، شهر المغفرة، كيف؟ و لماذا؟
وهل الذنوب هي نفسها الجرائم و الجنايات التي نرتكبها و يعاقبنا عليها القانون؟
-
بين القوانين و القرآن الكريم
لو نظرنا إلى الجرائم في القرآن الكريم و ما تعده القوانين الوضعية جرائماً، لوجدنا اختلافاً جذرياً و تبايناً كبيراً ليس في الأحكام فقط، بل في الرؤية والمنطلقات أيضاً، فالقوانين الوضعية، لا تأخذ بنظر الإعتبار إلا جانب الأذى و الإعتداء و الضرر الذي يلحق بالآخرين كأفراد أو كجماعة، أو المخالفة للاجراءات والقوانين الحكومية، بينما القرآن الكريم يأخذ بنظر الإعتبار الأذى الذي يلحق بنفس الجاني، مثل تأثير شرب الخمر على نفس الشارب، أو التدخين، أو إهانة النفس، و يأخذ بنظر الاعتبار أيضاً السلوكيات التي تؤثر على المدى البعيد على الفرد و المجتمع مثل لعب القمار و الشطرنج و غيرها من الألعاب التي تشيع روح العدواة والبغضاء، وتكرس البطالة و التنافس على التوافه، و كذلك يجرّم الإسلام إستماع الأغاني و الموسيقى التي تمثل مهرباً من مواجهة الواقع، و تبعد الانسان عن مواطن المشكلة الحقيقية في نفسه، وتدفعه للعيش في الماضي، ويسرح في عالم الخيال، بينما لا يُعاقب الإسلام على مجرد محاولة ارتكاب الجريمة كما نرى اليوم في بعض المحاكم، متهمين بمحاولة قتل، و ليس ارتكاب القتل فعلاً، فـ “لا قصاص قبل الجناية” في الإسلام.
[.. كلما زادت الدولة من وضع العقوبات و تجريم الأفعال؛ نرى في المقابل زيادة المجرمين و عجز الدول عن الردع، فنرى السجون ممتلئة و مكتظة في البلاد الاسلامية بالظاهر ..]
-
المتهم الشاهد
كلما زادت الدولة من وضع العقوبات و تجريم الأفعال؛ نرى في المقابل زيادة المجرمين و عجز الدول عن الردع، فنرى السجون ممتلئة و مكتظة في البلاد الاسلامية بالظاهر، كما نشهد محاولات الهروب من السجون، كون البعض من نزلاء السجون يجدون أنهم مسجونون ظلماً وجوراً، وأن الحكم الصادر بحقهم غير عادل.
فهل كانت مهمة الدولة وضع الناس في السجون و معاقبتهم، ومن ثم صناعة المزيد من المجرمين؟ أم وظيفتها تقليل الجرائم و المجرمين؟
بينما في النظام الإسلامي فان اكثر الجرائم متروكة لضمير الإنسان و إيمانه بالرقابة الالهية، و لأجل أن يرضي ربه سيحاسب نفسه و يعاقبها بعملية التوبة، إما إذا كان المجرم متعدّياً على حقوق الناس، و مجاهراً بفساده و جريمته، و مروجاً لما يعده الدين جريمة فلابد من معاقبته.
[.. في النظام الإسلامي فان اكثر الجرائم متروكة لضمير الإنسان و إيمانه بالرقابة الالهية، و لأجل أن يرضي ربه سيحاسب الانسان نفسه و يعاقبها بعملية التوبة ..]
-
المغفرة أم الإفلات من العقاب
التوبة حقٌ لكل عاصٍ ومذنب، و هي شرط المغفرة، فمن يريد تقديم طلب المغفرة إلى المحكمة الإلهية عليه التوقيع على ستة بنود كما أوضحها أمير المؤمنين، عليه السلام، لقائل قال بحضرته: “أستغفر الله فقال: ثكلتك أمك أتدري ما الاستغفار؟ الاستغفار درجة العليين. وهو اسم واقع على ستة معان:
أولها: الندم على ما مضى.
والثاني: العزم على ترك العود إليه أبدا.
والثالث: أن تؤدي إلى المخلوقين حقوقهم حتى تلقى الله أملس ليس عليك تبعة.
والرابع: أن تعمد إلى كل فريضة عليك ضيعتها فتؤدي حقها.
والخامس: أن تعمد إلى اللحم الذي نبت على السحت فتذيبه بالأحزان حتى تلصق الجلد بالعظم وينشأ بينهما لحم جديد.
والسادس: أن تذيق الجسم ألم الطاعة كما أذقته حلاوة المعصية فعند ذلك تقول أستغفر الله”.
بينما لا نجد للمغفرة مكاناً في القوانين الوضعية، و هذا إن دلّ على شيء، فهو يدل على أن الله –تعالى- رحيمٌ بعباده، يريد لهم الخير و التقدم، فيعطيهم المزيد من الفرص ليتوبوا عن ذنوبهم، و يعودوا بضمير مطمئن و نقي، و و يبدأوا حياة جديدة، و من الفرص التي يعطيها الرب لنا؛ فرصة شهر رمضان، حيث نذيق الجسد ألم الطاعة، و نؤدي الحقوق التي ضيعناها و نعود إلى ربنا عز و جل.