يشكّل شهر رمضان المبارك معينا إلهيا لا ينضب، ونهر رحماني واسع التدفق والانصباب، ولأن الناس يختلفون في مداركهم ومعارفهم، فهم يختلفون في مدى استيعابهم من هذا النهر العظيم، فالبعض يستعد وينتظر شهرَ رمضان من غرة شهر رجب، والبعض الآخر من بدايات شهر شعبان، وآخرون يفاجأهم هذا الشهر فيدخل عليهم دون ادنى استعداد منهم.
فهذا الشهر يمتاز بإمتيازت عدة، يقول الرسول الاكرم، صلى الله عليه وآله، في خطبته لاستقبال هذا الشهر: “هو شَهْرٌ هُوَ عِنْدَ اللَّهِ أَفْضَلُ الشُّهُورِ، وَ أَيَّامُهُ أَفْضَلُ الْأَيَّامِ، وَ لَيَالِيهِ أَفْضَلُ اللَّيَالِي، وَ سَاعَاتُهُ أَفْضَلُ السَّاعَاتِ، هُوَ شَهْرٌ دُعِيتُمْ فِيهِ إِلَى ضِيَافَةِ اللَّهِ، وَ جُعِلْتُمْ فِيهِ مِنْ أَهْلِ كَرَامَةِ اللَّهِ، أَنْفَاسُكُمْ فِيهِ تَسْبِيحٌ، وَ نَوْمُكُمْ فِيهِ عِبَادَةٌ، وَ عَمَلُكُمْ فِيهِ مَقْبُولٌ، وَ دُعَاؤُكُمْ فِيهِ مُسْتَجَابٌ..” وهذه الخطبة العظيمة تبين فضيلة هذا الشهر، والثمار التي يجنيها الانسان المؤمن، إن اعدَّ العدة وتهيأ له.
[.. إن من الامور (الواجب) الالتفات اليها في هذا الشهر، هو تأصيل الجانب العقائدي، وتكريس الحالة الايمانية بالتعرف أكثر على عقائد الدين، وما تحمله من مضامين فكرية ونفسية واجتماعية كبيرة ..]
ويختلف الناس في وضع الاهداف التي يرومون انجازها خلال هذا الشهر الفضيل، فهناك من يريد ختم القرآن الكريم لعدة مرات، والبعض الآخر يكرّس جهده وارادته لاقتلاع خصلة اخلاقية سيئة..، وهكذا فإن كل واحد منا يسعى لمعالجة نقص معين عنده.
إن من الامور( الواجب) الالتفات اليها في هذا الشهر، هو تأصيل الجانب العقائدي، وتكريس الحالة الايمانية بالتعرف أكثر على عقائد الدين، وما تحمله من مضامين فكرية ونفسية واجتماعية كبيرة، فالبعض لا يفرّق بين اصول الدين وفروعه، ومما يؤسف له أكثر، ان هناك من لا يعرف اصلا ما هي اصول الدين، وما هي فروعه!
ولهذا فإن الفجوة بين الناس من جهة، وبين عقائد الدين من جهة أخرى أحدثت الكثير من المشاكل الفكرية والثقافية لدى الكثير من شباب اليوم، فحالات الانحراف العقائدي وضع بعض الشباب ضحيتها، سببت لهم اوضاعا نفسية واجتماعية مغايرة، فالالحاد الذي هو تنكّر لفطرة الانسان الاصيلة، التي فطره الله عليها، هذا الالحاد يخلق حالة من الازدواجية في شخصية صاحبه، مما يدعوه الى التخلي عن القيم الاخلاقية التي تنادي بها العقائد الاسلامية.
[.. علينا أن نأصل عقائدنا، وأن نكرسها فينا بكل قوة واقتادر، خصوصا في هذا الشهر المبارك، لان النفسَ تكون شفافة، وبإمكان الفرد الوصول الى معين العقيدة الصافي ..]
أما الانحرفات العقائدية في زماننا هذا، فتارة تحت دعوى التحرر من قيود الدين والمتدينين، وتارة آخرى هو أن الدين لم يعد يناسب العصر وقضايا التطور، هذه الانحرفات وغيرها، هو بسبب إفراط وتفريط، فالإفراط هو اتكال الفرد على نفسه تفسير بعض النصوص الدينية، التي لربما جاءت في ظرف زمني خاص، أما التفريط –وهو موضوعنا- فإن البعض “لا يعرف من الاسلام إلا اسمه، ومن القرآن إلا رسمه”، فتراه يعرف عن حياة ليونيل ميسي، ورنالدنيو، أكثر مما يعرف عن رسول الله، صلى الله عليه وآله، وعن أهل البيت، عليهم السلام، أما إذا سألته ما هي اصول الدين وفروعه، فإنه يتلكأ، ويحر جوابا، وكأنما اُلقم حجرةً في فِيْه.
-
المائدة الرمضانية وفرصة التزود
بات بمقدور كل فرد ان ينمي معرفته عن أي موضوع عقائدي، فهناك مئات الكتب حول مختلف المواضيع العقائدية، وهناك القنوات الفضائية التي تبث عشرات المحاضرات العقائدية على مدار اليوم الواحد في هذا الشهر الفضيل، اما شبكة الانترنت، هي الاخرى تسهل على الفرد البحث، والاستماع لاي طرح عقائدي، فهناك مواقع متخصص بالنشر العقائدي، والرد على الشبهات المختلفة، منها على سبيل المثال، مركز الابحاث العقائدية، وموقع صوت الشيعة الذي يضم بين دفتيه ألآف المحاضرات في مختلف المجالات الفكرية والثقافية.
وعلى الشباب أيضا ان يتحلوا بثقافة السؤال، فعلماء الدين مهمتم الاجابة على اسئلة الناس، وربما لا تخلو منطقة بواحد منهم، ومن ثم فإن مواقع التواصل الاجتماعي اتاحت الفرصة للتواصل معهم، والتحدث اليهم، ومن المهم جدا تحديد الاولويات عند السؤال، فالسؤال عن الشجرة التي أكل منها أبينا آدم، لن تضيف الى السائل معلومة يمكنه الاستفادة منها في سلوكه وثقافته.
ومن هنا فإن علينا أن نأصل عقائدنا، وأن نكرسها فينا بكل قوة واقتادر، خصوصا في هذا الشهر المبارك، لان النفسَ تكون شفافة، وبإمكان الفرد الوصول الى معين العقيدة الصافي، وهذا الشهر هو شهر تأصيلها، وتقويتها في النفوس والاذهان، لان ثمرة هذه العقيدة هي الاستقامة في الحياة، حينها تتجلى ثمرة الاستقامة في القول والفعل.