نحن البشر؛ كأي مخلوق في العالم، وأي موجود في الكون، محكوم بقانون الحق، فهو الذي يحكم الجميع، و محور الحق هو توحيد الله، ويقضي هذا القانون (الحق) أن لا يتخذ البشر أرباباً من دون الخالق، وما أويتنا من هامش الحرية والارادة في الاختيار الممنوح لنا من الله –تعالى- فهو من اجل الاختبار ليعطينا –تعالى- الجزاء في عالم الآخرة، ويكافئ كل مساهم وساعٍ للخير في الحياة، واي مخلوق في الكون إن اراد مخالفة قانون الحق، فإنه يُقرع بعصا الحق في نفس اللحظة.
فالله -سبحانه وتعالى- هو محور الحق، ومن هنا فإن العلاقة بين البشر لابد أن تقوم على مبدأ المساواة في الخِلقة، يقول تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ}، فالتنوع بين الناس قائم من حيث تعدد الجماعات البشرية على شكل قبائل وشعوب، لكن هذا التنوع لا يسوّغ استعلاء جماعة على أخرى، أو شعب على آخر، واذا حصل هذا فإن المآل هو الدمار وإراقة الدماء، ولذا نجد فكرة الاستكبار دائماً تؤول الى زوال واضمحلال، ولن تقوم لها قائمة في الأرض، وإن بقيت، فهي لفترة محدودة، وهذه الفترة الزمنية تمثل مرحلة الامتحان، وبعدها يُقضى عليها.
-
المنجزات العلمية، هل توفر الأمن والاستقرار؟
والتاريخ شاهد على الذين عمروا الارض، ولا يزال هناك آثار لما بنوه، لكن هل هذه الانجازات المادية شفعت لهم؟
فماذا بقي من اهرامات مصر؟ وماذا بقي من فرعون؟ كذلك حال قلاع بعلبك، لم تستطع أن تحمي الطغاة الذين كانوا يحكمون هناك، وكذلك الجنائن المعلقة في بابل، وغيرها كثير، فكل هذه المنجزات لم تمنعهم من الهلاك.
ذاك من ما كان من الحضارة المادية في التاريخ القديم، أما في حضارة اليوم القائمة على المادة ايضاً، نلاحظ المنجزات الكبيرة في بلاد الغرب، وتحديداً في اوربا والولايات المتحدة، فبالرغم من التقدم العلمي الهائل في البناء والصناعة، إلا انها لم توفر لشعوب الغرب الأمان والاستقرار، فبرج ايفل –مثلاً- لم يمنع الجيش النازي بقيادة هتلر من احتلاله واحتلال فرنسا في الحرب العالمية الثانية، ولا حتى كل منجزات فرنسا العلمية، وحتى منظومتها الفكرية والثقافية الشهيرة في العالم، كونها صاحبة الفضل في تدوين “الاعلان العالمي لحقوق الانسان”.
وفي الولايات المتحدة، فان تمثال الحرية الذي تفتخر به اميركا كونه رمز للقيم والمبادئ الانسانية التي يؤمن بها الاميركيون، لكنها لم تحُل دون تعرض مدينة نيويورك، وتحديداً برجين بالقرب من هذا التمثال الضخم، لهجوم انتحاري رهيب بالطائرات ويحيل البرجين على ركام.
ومن هنا فإن طائرات (f35)، المتطورة، والصورايخ بعيدة المدى، وحاملات الطائرات الضخمة لا يمكن أن تحمي اصحابها، إذا ما جاء أمر الله، وهذا ما تؤكده آيات القرآن المجيد: {إِذَا أَرَدْنَا أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا}، ويقول تعالى في سورة الشمس: {كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْوَاهَا * إِذِ انْبَعَثَ أَشْقَاهَا * فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ نَاقَةَ اللَّهِ وَسُقْيَاهَا * فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوهَا فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنْبِهِمْ فَسَوَّاهَا * وَلَا يَخَافُ عُقْبَاهَا}.
-
القيم عندما تكون ضحية للقوة
فكرة الاستكبار لدى الدول القوية سياسياً واقتصادياً تنطلق بدايةً من القيم والمبادئ الانسانية المحببة الى النفوس، لكن سرعان ما تتحول الى مرقاة تصعد من خلالها مفاهيم القوة والهيمنة بدوافع مختلفة، كما حصل في الحرب العالمية الثانية التي جيّش لها هتلر الملايين من الشعب الالماني على أنهم الجنس الأسمى والأرقى في العالم، رغم أنها قيم جاهلية وغير صحيحة، فكانت نهايته ليس بتوقفه وإنجماده في الجبهة الروسية، ولا في بانهياره في الجبهات الاخرى، وإنما بدأ العد التنازلي لديه عندما وقف على كتب القانون، وكان في يده مسدساً، و قال مشيراً الى ما يحمله بانه هو القانون! ومنذ تلك اللحظة بدأت جيوشه تسجل الهزائم الواحدة تلو الاخرى، رغم الانتصارات التي حققها واحتلالها بعض البلاد الاوربية لفترة من الزمن، فكانت نهايته الانتحار بالسمّ.
ان الاستكبار في بداياته يستعين بالقيم، ثم ينتقل الى الاستعانة بالقوة، زعماً بأن القوة تهزم الآخرين، فالرئيس الامريكي الحالي قال في كلام: أنه صرف اثنين تليريون دولار في إعداد القوة.
بيد أن آخر زعيم لما كان يعرف بالاتحاد السوفيتي؛ ميخائيل غرباتشوف، كان له رؤية أخرى، فعندما كان يريد تسليم الصندوق الاسود لخليفته، بوريس يلتسين، والذي يحوي أسرار الدولة، سأله أحد الصحفيين: “لماذا انهار الاتحاد السوفييتي ثاني قوة في العالم”؟ أجابه بكلمة: “لأنه لم يكن يؤمن بالله”.
من هنا علينا قراءة التاريخ لنعرف الحقائق، ومعرفة الحقائق يعني معرفة السنن التي تحكم هذا الكون، وهذه المعرفة كفيلة بإنارة المستقبل لمعرفة ما يحدث، لذا فإن القراءة التدبرية للقرآن الكريم تؤكد على هذه الحقيقة، مما يوجب علينا قراءة القرآن مع التدبّر بآياته للوصول الى غور الحقائق.
ـــــــــــــ
* مقتبس من محاضرة للسيد المرجع المدرسي بتاريخ16-1- 2020