الهدى – متابعات ..
بين فواتير تثير الشكوك، وشبكة متهالكة تكابد ضغط المتجاوزين، تراهن وزارة الكهرباء في العراق على مشروع “التحول الذكي” لترويض أزمة لا تنطفئ.
وتعد الجباية من الركائز الأساسيَّة التي تعتمد عليها الدول لضمان استدامة القطاعات الحيويَّة مثل الصحة والتعليم والطاقة، فهي مصدر رئيس لتمويل هذه القطاعات، وتسهم بشكلٍ كبيرٍ في تحسين وتطوير الخدمات المقدمة للمواطنين.
وفي العراق، تعد جباية قطاع الكهرباء من الإجراءات الحاسمة التي تضمن استمرار تقديم خدمات الكهرباء بفعاليَّة، وكذلك دعم تطوير البنية التحتيَّة لهذا القطاع الحيوي.
وتباينت آراء المواطنين في بغداد، إزاء الجباية الخاصة بالكهرباء، مؤكدين أنَّ “رفع المولدات الأهليَّة سيعتمد كلياً على الشبكة الوطنيَّة، الأمر الذي سيسهم في تقليل الاستهلاك ودفع الفواتير الشهريَّة”.
ورغم ذلك، أشار آخرون إلى أنَّ “مليارات الدولارات تم صرفها على قطاع الكهرباء، إلا أنَّهم لم يشعروا بأي تحسنٍ ملحوظ”.
كما أبدى المواطنون استياءهم من بعض قرَّاء المقاييس الذين أكدوا أنهم لم يكونوا أمناءً في جباية الفواتير، مشيرين إلى أنهم تفاجؤوا بوجود ديونٍ لم تتم تسويتها رغم دفع الفواتير مباشرة. وطالبوا بضرورة وجود رقابة أكثر صرامة على هؤلاء القرَّاء لضمان العدالة والمصداقيَّة في الجباية.
كذلك شددوا على أنَّ أغلب المحطات الكهربائيَّة قديمة ومتهالكة وتحتاج إلى صيانة شاملة، فضلاً عن ذلك، أشاروا إلى أنَّ المحولات في الأحياء السكنيَّة تتعرض لضغطٍ شديدٍ نتيجة الزيادة السكانيَّة السريعة وكثرة المنازل التي تتجاوز التصاميم الأصليَّة. وقد أسهم المتجاوزون على الشبكة الوطنيَّة في تدهور استمراريَّة ساعات تجهيز الكهرباء، ممَّا زاد من معاناتهم.
وأكد المتحدث الرسمي باسم وزارة الكهرباء، أحمد موسى، أنَّ “الجباية تشمل كلاً من المستهلكين النظاميين وغير النظاميين”.
كما أوضح أنَّ “الوزارة رصدت ارتفاع نسبة الضائعات التي تعاني منها المنظومة الكهربائيَّة بسبب وجود مشتركين غير مسجلين في النظام”، مؤكداً أنَّ “هذا الوضع يتسبب في هدرٍ كبيرٍ للطاقة ويعوق جهود الوزارة لتوفير الكهرباء بكفاءة، ما يستدعي تبني إجراءات فعالة لتقليص هذه الضائعات وتعزيز النظام بشكلٍ عام”.
كما أشار إلى أنَّ “الوزارة بصدد تفعيل العدادات الإلكترونيَّة على مستوى البلاد، وهي خطوة تهدفُ إلى الحدّ من الهدر في الطاقة المنتجة محليًا، وتحقيق استفادة أفضل من الاستهلاك”.
و أضاف أنَّ “الوزارة وضعت خطة استراتيجيَّة شاملة لمواجهة الضائعات”، مشدداً على أنَّ “الشبكة الكهربائيَّة الحاليَّة لا تحتمل المزيد من الهدر في هذه الطاقة”.
وأوضح موسى أنَّ “وزارة الكهرباء تسعى لتعميم استخدام العدادات الإلكترونيَّة في المنازل وتفعيل الجباية الإلكترونيَّة في مختلف المناطق”، مبيناً أنَّ “هذه المبادرة تهدف إلى تنظيم استهلاك الكهرباء وتحسين عمليَّة التحصيل”، منوهاً الى أنَّ “استهلاك الطاقة يشهد زيادة كبيرة، بينما لا يزال هناك ضعفٌ في تحصيل الرسوم من عددٍ من المستهلكين. وبالتالي، تسعى الوزارة لضمان أنْ تكون الجباية أكثر فاعليَّة وشفافيَّة”.
كما أشار موسى إلى “وجود تجاوزاتٍ كبيرة من قبل بعض المستفيدين غير النظاميين الذين يستهلكون كمياتٍ ضخمة من الكهرباء من دون دفع مستحقاتهم، ما يتسبب في هدر الطاقة ويقلل من الإيرادات. لذلك، تعمل الوزارة على تنظيم هذه المناطق، خاصة تلك التي لا تُسجل في النظام الرسمي، وتطبيق العدادات الذكيَّة في العديد من الأماكن، بما يسهم في ضبط الاستهلاك وتقليص الضائعات”.
وأضاف موسى أنَّ مشروع “التحول الذكي”، الذي تمَّ تطبيقه في بعض المناطق، يمثل خطوة حاسمة في تعزيز كفاءة الشبكة الكهربائيَّة وتقليل الضغط عليها، موضحاً أنَّ المشروع يركز على تركيب عداداتٍ ذكيَّة في أربع محافظات (الأنبار، ديالى، واسط، وكركوك) لتجربة هذه التكنولوجيا في المرحلة الأولى، في مبادرة تهدفُ إلى تحسين عمليَّة المراقبة والتحصيل، وضمان إدارة أفضل للطاقة المستهلكة.
ومشروع التحول الذكي الذي تبنته وزارة الكهرباء، لاقى إشادة من لجنة الطاقة في مجلس النواب، إذ صرح عضو اللجنة النائب داخل راضي قائلاً: إنَّ “هناك العديد من التحديات التي تعرقل تطوير قطاع الكهرباء”، مشيراً إلى أنَّ أبرز تلك المعوقات تتعلق بتوفير الوقود، وتطبيق نظام الجباية، والمشكلات الماليَّة والفنيَّة والتعاقديَّة التي تواجه تنفيذ المشاريع”.
من جانبه، أكد عضو لجنة الطاقة النائب داخل راضي علي أنَّ “أغلب مشكلات قطاع الكهرباء تعودُ إلى نقص إمدادات الوقود، ولا سيما الغاز، إلى جانب غياب التطبيق الحقيقي لنظام الجباية في العديد من المناطق”، مشدداً على “ضرورة سنّ قانونٍ رادعٍ يُلزم المواطنين بتسديد مستحقات الطاقة بشكلٍ عادلٍ ومنصف”.
وأكد عضو لجنة الطاقة أنَّ “النهوض بواقع الكهرباء يتطلبُ تنسيقاً فاعلاً بين السلطتين التشريعيَّة والتنفيذيَّة، فضلاً عن تسريع الإجراءات الإداريَّة والماليَّة وتجاوز العقبات الفنيَّة لضمان الوصول إلى قطاع طاقة مستدامٍ وفعّالٍ يخدم المواطنين في جميع أنحاء البلاد”.
كذلك يشير مدير المركز العالمي للدراسات التنمويَّة في المملكة المتحدة، الدكتور صادق حسين الركابي، إلى أنَّ “الجباية المنظمة تعدُّ عنصرًا حيويًا لتحقيق الدعم المالي لقطاع الكهرباء”.
وبيّن الركابي أنَّ “تحصيل الإيرادات من هذا القطاع سيسهم في تقليل الاعتماد على الدعم الحكومي ويعزز قدرة الوزارة على تطوير البنية التحتيَّة للطاقة الكهربائيَّة”، مضيفا أنَّ “الإيرادات المحصلة ستستخدم لتغطية تكاليف إنتاج وتوزيع الكهرباء، ما يساعد في تحسين جودة الخدمات”.
في غضون ذلك، أوضح الخبير في شؤون الطاقة والكهرباء بلال خليفة، أنَّ “تطبيق مشروع الجباية على نطاقٍ واسعٍ في بغداد والمحافظات من شأنه تخفيف الضغط الكبير على منظومة الشبكة الوطنيَّة، فضلاً عن تقليل الاستهلاك الفعلي للطاقة”.
وأكد “أهميَّة تفعيل المشروع في الموسم الحالي تحديداً، لتفادي أي أزماتٍ محتملة أو توقفاتٍ في المنظومة نتيجة الاضطرابات المتكررة في توريد الغاز الإيراني المستخدم في تشغيل محطات الإنتاج”.
وأشار خليفة إلى أنَّ “نجاح المشروع يتطلب جهوداً توعويَّة وتثقيفيَّة واسعة بين المواطنين”، مؤكداً أنَّ “أهميَّة الجباية تكمن في تنظيم استهلاك الطاقة وضمان استدامتها”.
ولفت إلى أنَّ “المشروع لا يقتصر على ضبط الفواتير فحسب، بل يسهم أيضاً في رفع الإيرادات الماليَّة للوزارة وتقليل الهدر المالي الكبير الذي كانت تعاني منه خلال السنوات الماضية”.
وبيّن أنَّ “الوزارة أنفقت نحو 10 مليارات دولار سنوياً خلال الأعوام القليلة الماضية، مقابل وارداتٍ لا تتجاوز المليار دولار فقط، وهو فارق كبير يشير إلى خللٍ واضحٍ في منظومة الجباية والتحصيل”.
ومع التطبيق الفعّال للنظام، يرى خليفة أنَّ النتيجة ستكون خفضاً في حجم الإنفاق السنوي وزيادة ملموسة في الإيرادات، الأمر الذي ينعكس إيجاباً على تطوير البنية التحتيَّة للكهرباء وتحسين جودة الخدمة”.