الهدى – متابعات ..
في ظل التحديات الاقتصادية التي يعيشها عدد غير قليل من الأسر، أصبحت معاهد التقوية الأهلية ظاهرة لا يمكن تجاهلها، كونها تحمل في طياتها تفاقماً للفوارق الطبقية والاجتماعية.
وبينما تعد هذه المعاهد ملاذاً للبعض لتحسين المستوى التعليمي، فإنها تتحول إلى عبء ثقيل على كاهل الأسر ذات الدخل المحدود، ما يعمق الفجوة بين الطبقات الاجتماعية.
وتقول لمياء حسين، وهي أم لطالبين: «اشتراط دفع الأجور مقدماً يجبرنا على الاقتراض أو اللجوء إلى الديون، وهذا يرهق ميزانيتنا بشكل كبير».
وهذه الشكوى ليست فردية، بل تعكس واقعاً تعيشه أسر عديدة، تجد نفسها مضطرة لتحمل تكاليف باهظة لتأمين تعليم أفضل لأبنائها.
ويشير علي محمد، أب لثلاثة طلاب، إلى جانب آخر من المشكلة بقوله: «بعض المدرسين في المدارس الحكومية يشاركون في هذه الظاهرة، حيث يبدأون بتحضير طلبتهم للدروس الخصوصية منذ العطلة الصيفية»، وهذا الوضع يزيد من الضغط المالي على الأسر، خاصة تلك التي تعتمد على دخل محدود.
وتُبين هذه الظاهرة بوضوح كيف تتفاقم الفوارق الطبقية في المجتمعن فالأسر القادرة على تحمل تكاليف معاهد التقوية تُمنح فرصاً أكبر لتحقيق النجاح والتفوق، بينما تُحرم الأسر الفقيرة من هذه الفرص بسبب العجز المالي.
وتقول رفل مجيد، طالبة في المرحلة الإعدادية: «أشترك في معاهد التقوية مع كل فصل دراسي جديد لأحصل على المعدل الذي أريده»، لكن ماذا عن الطلبة الذين لا يستطيعون تحمل هذه التكاليف؟.
من جانبه، يوضح أحمد عباس، طالب في الخامس الأدبي، أنه يفضل الاعتماد على المدارس الحكومية، معتبراً أن هذه المعاهد ليست ضرورية، إلا أن هذا الرأي لا يعكس واقع الجميع، خاصة في ظل التحديات التي تواجهها المدارس الحكومية، مثل نقص الأبنية المدرسية وازدحام الصفوف.
ويرى التربوي محمد صادق جراد، أن هذه الظاهرة تخلق فجوة تعليمية بين الطلبة، حيث تكون الفرص متاحة أكثر لأبناء الأسر القادرة على تحمل التكاليف.
ويضيف ان «هذا الوضع يزيد من الفوارق الطبقية، ويجعل النجاح حكراً على من يملكون المال».
من ناحية أخرى، يدافع بعض المعلمين عن هذه الظاهرة، باعتبارها مصدر دخل إضافياً في ظل تدني الرواتب الحكومية، حيث تقول إحدى المدرسات، التي فضلت عدم الكشف عن هويتها: «فتح معهد أو إعطاء دروس خصوصية أصبح ضرورة لمواجهة الأوضاع الاقتصادية الصعبة».
وتحاول وزارة التربية مواجهة هذه الظاهرة من خلال إطلاق دورات تقوية مجانية خلال العطلة الصيفية، وتشكيل لجان لمراقبة المعاهد الأهلية وإغلاق المخالف منها، إلا أن هذه الجهود تبقى غير كافية في ظل اتساع الظاهرة وزيادة الطلب عليها.
وظاهرة معاهد التقوية ليست مجرد قضية تعليمية، بل هي قضية اجتماعية تعكس تفاقم الفوارق الطبقية، ففي الوقت الذي تُمنح فيه الفرص لأبناء الأسر القادرة، تُحرم الأسر الفقيرة من تحقيق أحلام أبنائها التعليمية.
وهذا الوضع يتطلب حلولًا جذرية من قبل الجهات المعنية، لضمان تعليم عادل للجميع دون إرهاق مالي إضافي.
ويبقى السؤال الأكبر: كيف يمكن تحقيق التوازن بين تحسين جودة التعليم وعدم إثقال كاهل الأسر، خاصة تلك التي تعاني من ضعف الدخل؟.