تتفجر العقيلة زينب جبل الصبر بثورة الخطاب بعد كل ما رأته من رزايا عظيمة، فقد سارت لتأخذ دورها في النشر والاعلام وتوعية الأمة وتعريفها للمبادئ التي من أجلها ضحى الإمام الحسين، عليه السلام وجمعٌ من الأولاد والأخوة والأصحاب الذين رحلوا قرابين من أجل العقيدة والرسالة المحمدية الأصيلة، فلم تهن أو تضعف أمام الجبروت، بل اقتحمت كل العواصف وفنّدت كل الأكاذيب الأموية التي لوّثت العقول بالترهيب والترغيب.
كانت عقيلة الطالبيين واعيةً لما يحدث فلابد لها من مواجهة كل تشويه وظلم وظلام بصوتها العلوي الصادح وببلاغة خطبها المتفجرة قوة وصلابة وثورة ضد الطغيان الاموي الجائر.
وكانت اولى محطاتها الكوفة، إذ صدحت ببسالة وفصاحة بكلمة الحق في وجه الظالمين، فكانت كلمتها عبارة عن نبال ورماح وسيوف طعنت بها الخانعين والمتخاذلين عن نصرة أبي عبد الله الحسين، عليه السلام، رغم عهودهم له، إذ كان منطقها كمنطق أبيها سيد البلاغة الإمام علي، عليه السلام، فبعد أن حمدت الله وصلّت على النبي وآله الأخيار قالت وهي تصف أهل الكوفة بأنهم أهل الغدر وأهل الخدعة وهم الغافلون: “يا أهل الكوفة يا أهل الختل والغدر أتبكون؟ فلا رقأت الدمعة ، ولا هدأت الرنة ، إنما مثلكم كمثل التي نقضت غزلها من بعد قوة انكاثاً، تتخذون إيمانكم دخلاً بينكم ألا، وهل فيكم إلا الصلف النطف، والصدر الشنف، وملق الإماء وغمز الأعداء، أو كمرعى على دمنة أو كفضة على ملحودة. ألا ساء ما قدمت لكم أنفسكم أن سخط الله عليكم وفي العذاب أنتم خالدون أتبكون وتنتحبون أي والله فابكوا كثيراً واضحكوا قليلاً”.
كانت عقيلة الطالبيين واعيةً لما يحدث فلابد لها من مواجهة كل تشويه وظلم وظلام بصوتها العلوي الصادح وببلاغة خطبها المتفجرة قوة وصلابة وثورة ضد الطغيان الاموي الجائر
هنا تتجلى قوة وفصاحة الكلمات المؤثرة التي لها وقع كبير على الجموع السامعة بما تحمل من ايحاءات صادمة “الصلف النطف بمعنى الذي يمتدح بما ليس فيه , والنطف الذي فيه كل العيب, والصدر الشنف بمعنى الصدر الذي يحمل البغض لأهل البيت عليهم السلام , وملق الإماء بمعنى التذلل”، وهذه الكلمات تعد وسيلة لتحريك دواخلهم وندمهم؛ فقد حملت بجرسها وايقاعها القوي كل الادانة والهجاء وتوصيفهم بأوصاف اضرمت أحشاءهم وأظهرت البشاعة التي اتصفوا بها في بغضهم وعدائيتهم.
واستمرت العقيلة بخطبتها بأبلغ الكلمات ودقة معانيها المؤثرة وهي تنذرهم وتوبخهم ببسالة عالية بعواقبهم الوخيمة جراء سفكهم للدماء الطاهرة وانتهاكهم لحرمة رسول الله على أرض الطفوف، وأن الله لهم بالمرصاد: “فلقد ذهبتم بعارها وشنارها ولن ترحضوها بغسل بعدها أبداً وأنّى ترحضون قتل سليل خاتم النبوة ومعدن الرسالة وسيد شباب أهل الجنة وملاذ حيرتِكم ومفزع نازلتكم ومنار حجتكم ومدرة سنتكم ألا ساء ما تزرون وبعداً لكم و سحقاً. فلقد خاب السعي، وتبت الأيدي، وخسرت الصفقة، وبؤتم بغضب من الله، وضربت عليكم الذلة والمسكنة ويلكم يا أهل الكوفة أتدرون أي كبد لرسول الله فريتم، وأي كريمة له أبرزتم، وأي دمٍ له سفكتم، وأي حرمة له انتهكتم لقد جئتم بها صلعاء عنقاء سوداء فقماء خرقاء شوهاء كطلاع الأرض أو كمِلئ السماء أفعَجبتم إن مطرت السماء دماً ولعذاب الآخرة أخزى وأنتم لا تنصرون، فلا يستخفنكم المهل فإنه لا يحفزه البدار ولا يخاف فوت الثأر وإن ربكم لبالمرصاد“.
يتسم هذا الاسلوب من الخطاب بإيقاع مستمر متتابع وكأنه ضربات تلو ضربات والقصد من ذلك تأكيد إثبات أحقية أهل البيت، عليهم السلام، من خلال التعريف بهم وبمنزلتهم السامية بجمل عميقة تؤكد هذا المعنى “فلقد ذهبتم بعارها وشنارها ولن ترحضوها بغسل بعدها أبداً وأنّى ترحضون قتل سليل خاتم النبوة ومعدن الرسالة وسيد شباب أهل الجنة وملاذ حيرتِكم ومفزع نازلتكم ومنار حجتكم ومدرة سنتكم“.
وبالمقابل أيضاً تنذرهم بما سيكون بفعلهم الغاشم من غضب الهي وأنهم لم يفلحوا ومصيرهم الخزي والعار والذلة، وبنفس الإيقاع المتتابع للجمل الصادمة الواقعة على رؤوسهم الخاوية كنتيجة حتمية لما ارتكبوه من فعل شنيع: “فلقد خاب السعي، وتبت الأيدي، وخسرت الصفقة، وبؤتم بغضب من الله، وضربت عليكم الذلة والمسكنة”. وهكذا فعلت السيدة زينب عليها السلام فعلها بقوة خطابها وأسلوبها المستمد من قوة أبيها وأهل البيت، عليهم السلام، فزلزلت القلوب واضطرب المكان فحقّقت الهدف المنشود في كسر شوكتهم وتعريتهم وكشف نواياهم وبغضهم لأهل البيت، عليهم السلام.