قال أمير المؤمنين، عليه السلام: “الصبر صبران: صبر على ما تكره وصبر عما تحب”
طبيعة الحياة أنها لا تسير في اتجاه واحد دائما وفي مصلحة الانسان أبدا، بل هناك تقلبات ومشاكل تقف في طريقه، وهو في هذه الحالة إما ان يستسلم لضغوط الحياة وصعوباتها، وإما ان يواجه تلك المشاكل ليصل في نهاية المطاف الى هدفه الذي يسعى اليه.
ووقود الانسان في هذه الحياة هو الصبر؛ ذلك ان قطف ثمار اي جهد واي عمل إنما يكون بالصبر والمصابرة، وفي هذا المقال نتعرض الى ماهية الصبر، وكيف أن على الانسان ان يواجه عواصف الحياة بالصبر.
اولا: الصبر عمل ايجابي وليس سلبيا، ومعنى ذلك ان الانسان حين يصمد ويصبر ــ حتى يصل الى امر ــ لا يعني ان ينام، فالانسان حين يكون عاملا يمارس الصبر، والطالب يمارس القراءة والكتابة والمطالعة دائما، وكذلك القائد من موقعه وفي عمله يكون صابرا، قال الإمام الصادق، عليه السلام: “ثلاث من كن فيه زوجه الله من الحور العين؛ كظم الغيظ والصبر على سيوف الله ورجل اشرف على مال حرام فتركه”.
ثانيا: البعض يبرر الصبر حسب حالته، فيسمي الاستسلام للمشكلة، والخضوع للشدائد يسمي ذلك صبرا، أي أنه غلّف واقعه بمفهوم خاطئ للصبر، فيقبل كل شيء، فالاعداء حين يفرضون الذّل، والعبودية والاستعمار يتم قبوله، ويحسب ذلك انه من قبل الله! وهذا تفسير خاطئ للصبر؛ لان الصبر عمل، وصمود، وشجاعة وليس كسلا، وتواني.
الذي يصل الى القمة يلتذ بالخطوات الاولى ويربح من ورائها، اما الذي يستسلم في آخر لحظة فهو يخسر الدنيا والاخرة
ثالثا: نحن ـ كمسلمين ـ المفروض ان نكون أصبرَ على المشاكل أكثر من الآخرين، لاننا نؤمن بالجزاء؛ اي هناك ثواب وعقاب (جنة ونار)، فالمسلم حين يتعرض لمشكلة في سبيل الله ويخسر فله الأجر عند الله، بالاضافة الى ان الصبر اساس النصر “النصر بعد الصبر” و “مطية النصر الصبر”.
والانسان معرض للمشاكل دائما فلا يقل أنه صبر لمرة واحدة، وقد سئل احد افراد عائلة في الصين عاشت منتصرةً فترة طويلة من الزمن، فقيل له: كيف كانت عائلتكم دائما منتصرة وعاشت في سعادة وهناء؟
فقال له: الصبر، الصبر، وكررها مئةَ مرة.
ويشبه الذي يصبر تسعة وتسعين مرة، ويتراجع مرةً واحدة، يشبه ذلك الذي يصعد على الدرج الى الاخير وفي آخر خطوة يرمي بنفسه الى الارض، فكأنه لم يفعل شيئا.
الذي يصل الى القمة يلتذ بالخطوات الاولى ويربح من ورائها، اما الذي يستسلم في آخر لحظة فهو يخسر الدنيا والاخرة، قال الامام الصادق عليه السلام: “إن الحر حر على جميع أحواله، إن نابته نائبة صبر لها وإن تداكت عليه المصائب لم تكسره وإن أسر وقهر واستبدل باليسر عسرا كما كان يوسف الصديق الأمين (صلوات الله عليه) لم يضرر حريته أن استعبد وقهر واسر ولم تضرره ظلمة الجب و وحشته وما ناله أن من الله عليه فجعل الجبار العاتي له عبدا بعد إذ كان [له] مالكا، فأرسله ورحم به أمة وكذلك الصبر يعقب خيرا، فاصبروا ووطنوا أنفسكم على الصبر توجروا”، فحتى يوطّن الانسان نفسه على الصبر لابد وان يتوقع الهزيمة او الخسارة.
الاستسلام أم الصبر؟
هنالك امور قاهرة في الحياة فحين يفقد الانسان عزيزا، او يخسر رأس ماله كله، في هذه الحالة يجب ان يكون مستسلما لقضاء الله وقدره،
والمشاكل على نوعين؛ مشكلة قابلة للحل، وهنا يجب ان يسعى الانسان لحلها، وهناك مشكلة غير قابلة للحل، وهنا يجب الصبر، لان الجزع، والحزن لن يحلها، فإنسان خسرعينه مثلا، فليحافظ على شخصيته الاخرى ويستفيد من قدراته الباقية، كاليد، والأذن وبقية الحواس، فهناك رجل قد فَقَدَ عينيه واذنيه ورجله لكنه أخذ ثلاث شهادات دكتوراه، فجوهر الانسان الاساس سليما، فلماذ يخسر بقية الطاقات والقدرة لمصيبة ألمت به!
من جملة الاساليب التي يستخدمها الاطباء مع المرضى المشرفين على الموت هو الايعاز لهم بالصبر والصمود، فالموت والمرض يهجم عليه من كل صوب، لكن تبقى روحيته صاحبة القرار، فيمكن ان تدفع بالموت او المرض فترة من الزمن.
سئل بزرجمهر في بليته عن حاله، فقال هون على ما أنا فيه فكري في أربعة أشياء: أولها أنى قلت: القضاء والقدر لابد من جريانهما والثاني أنى قلت: إن لم أصبر فما أصنع! والثالث أنى قلت: قد كان يجوز أن تكون المحنة أشد من هذه! والرابع أنى قلت: لعل الفرج قريب!
الانسان معرض للمشاكل دائما فلا يقل أنه صبر لمرة واحدة، فالصبرلابد ان يكون حاضرا دائما
“إن الصبر صبران؛ صبر عما تحب، وصبر على ما تكره”، الحياة بتقلباتها المختلفة تفرض الانسان ان يكون صبور وحكيما في اتخاذ المواقف، فالمشاكل قابلة للحل، وما يزيد من صبر المؤمن هو انه إذا لم ينل ما يصبو اليه، او انه تعرض لبلية، ما يزيد من صبره أنه موقن أن صبره لا يضيع، وأن هناك جزاء يوم القيامة على ما صبر عليه، سواء فيما أحب أو فيما كره.
______________
(مقتبس من محاضرة لآية الله السيد هادي المدرّسي حفظه الله).