كان لابد منكِ أن تُنيري بيت علي بعد سيدة النساء، الزهراء، عليها السلام.
كان لابد أن تكوني بدراً زاهراً في ظلمات الأيام، وحضناً دافئاً للأيتام.
كان لابد أن تكوني أمّاً لأبي الفضل، عليه السلام ولأخوته، وأماً للحسن والحسين، ولزينب، ولأم كلثوم.
كان لابد أن تربي الأولاد خير تربية ليكونوا كما أراد الإمام أمير المؤمنين.
كان لابد من ذلك، لأنك سيدة الوفاء والعطاء.
كان لابد من عباس للحسين، لابد من حامل للّواء.
كان لابد منكِ، يا سيدتي ومولاتي؛ لذلك، كان لابد لعليّ أن يختار كما أراد، وهو العارف بما سيجري في الأزمان، فطلب من عقيل أن ينتقي من الأصالة أنقاها، وأصلبها، فكنتِ أنت يا أم البنين، وقد صوّرَ الشاعر عادل الكاظمي هذا المعنى في أبيات من قصيدة قائلاً:
من يا تراهُ هو النَّسابةُ البرِعُ
عَلى بُيوتِ التُقى والجُودِ مُتّبِعُ
مَنْ يَنْتَقي مِنْ أبِّياتِ النساءِ هُدى
فيها صِفاتُ النَجِيبيّاتِ تجَتْمَعُ
هـذا عَقيلٌ ضَليعٌ في الأِصُولِ لهُ
باعٌ بَأنسابِ أَهْلِ العُرْبِ مُضْطلِعُ
كان عليٌّ عميقَ الرؤى، عارفاً بالأمور، كان يرى مجريات الطفّ بكل التفصيل، و لابد لها مَن يحمل راية الحسين، ويكون سنداً له شجاعا و وفياً لا يهاب القوارع، فالمصائب تترا، ولابد لها من قلوب صلبة تثأر لله، ولابد من كفين قطيعين ليعلو اللواء، ويبقى صوت الحسين، عليه السلام، عاليا وخالدا عبر العصور.
وأنت يا سيدتي، كنتِ لها، فَلَم تسألي حين وصلت القافلة إلا عن الحسين، سيد الشهداء، فكل أولادك فداءٌ له، لأنك تعرفين من يكون، وهو سيد شباب أهل الجنة، وهو الثائر من أجل الإصلاح، والمدافع عن الدين، وهو القربان الذي أراده الله أن يعلو رأسه فوق الرمح، وتدوس صدره الخيول يا من وفيتِ واصطبرتِ وبذلت في سبيل الحسين؟
يقول الشاعر:
مصيبـةُ الطفِّ فـي عينيكِ ترتسمُ
وفي فؤادِكِ نارُ الحُـزْنِ تضطرمُ
أمَّ البنينَ رعاكِ اللهُ صابرةً
لِمَا أصابكِ وهو الحادثُ الضّخِمُ
أبناؤُكِ الغـرُّ غِيلوا بالطّفوفِ وما
سألتِ هل قُتِلوا فيها وهل سَلِموا
يا من لك عند الله منزلة عظيمة لما بذلت، يا أم العطاء، وما زلت تُعطين بإذن الله ما يتمنى المُحبّون الموالون بسورة الفاتحة، فكم من طالب حاجة كنت له السبب في قضائها وتفريج همه ومشكلته!
ما زال اسمك وكنيتك في القلوب لهما وقعٌ خاص، ومنزلة خاصة يبعثان الأمل في قضاء الحوائج، فأسعفينا يا أم البنين، وامنحينا من فيض كرمك الذي لا ولن ينضب، أيتها الصرح الشاهق.
يقول الشاعر حسن الحاج عكلة:
يَسّري لي وقفةً قُدّام صرحِكْ
و اسكبيني دمعة من عين جرحِكْ
مُدقِعٌ فقراً أنا لا أرتجي
سَدَّ فاقاتي سوى من بعضِ منحِكْ
باهتٌ معنى الوَفا لو لم يكنْ
فيكِ مقروناً ومملوحاً بملحِكْ
نعم؛ يبهت معنى الوفاء إذا لم يقترن باسمك، فما أعظمك يا مولاتي!
جعلكِ الله باباً وأملاً للمحتاجين وقدوة للنساء، فأنت الباذلة المدافعة عن القيم والمثل العليا، والزاهدة في الدنيا والمُضحية بأغلى ما عندها من أجل أهل البيت، عليهم السلام، ومن أجل الحسين، فأيُّ كرم عندك! و أيُّ إيثار وشهامة و وفاء!
هكذا جعلك الله رمزاً للتضحيات والزهد في الدنيا، لأن الدين هو الهدف، والعدل هو الهدف، والدار الآخرة هي الأبقى، فالسلام عليك يا أم البدور السواطع.
السلام عليك يا أم الوفاء يا أم البنين ورحمة الله و بركاته .