من المعيب جداً السكوت على قتل شيعة باكستان صبراً وبدم بارد ضمن مسلسل طويل لم يتوقف من العنف الطائفي المقيت الذي يستهدف الشيعة بالدرجة الأولى منذ حوالي ثلاثة عقود، وقد عجزت الحكومات المتعاقبة في باكستان، والمؤسسات الدينية، والرموز الإسلامية، وفي الخارج؛ البلدان الإسلامية ذات الثقل السياسي والديني والمؤسسات الإسلامية الضخمة في ارجاء العالم، كلها عجزت من أن تحفظ لشيعة أمير المؤمنين، عليه السلام، ارواحهم أمام قتل ممنهج على يد عصابات تكفيرية.
لنا أن نسأل ما اذا كان هذا العجز بسبب قوة هذه العصابات التكفيرية؛ سياسياً واجتماعياً، ودينياً؟! كأن تكون لهم حجة ومبرر لجرائمهم؟! أم إن باكستان ليست ضمن الاهتمامات الاستراتيجية في المنطقة، كما يجري من احداث في لبنان او العراق؟!
الشيعي الفقير في أقصى منطقة نائية في قرى باكستان، من حيث قيمته الإنسانية والدينية، هو نفسه الشيعي في سائر البلاد الإسلامية، وحتى من هم في بلاد المهجر، يمارسون حياتهم اليومية آمنين، يقيمون شعائرهم الدينية، ويمارسون أعمالهم المهنية دون أية مضايقات او تهديدات –في معظم الأحيان-.
ولن نكرر ما قلناه سابقاً حول هذه الاحداث المأساوية ضد الشيعة في بلدان مثل باكستان وأفغانستان والسعودية، فيما يتعلق بالإجراءات الوقائية الرادعة، مثل حمل السلاح، فهذا أمرٌ متروك لأهل تلك البلاد فهم أعرف بأحوالها، ولا أجدني جديراً بإسداء النصح لمن يعيشون ظروفاً سياسية واجتماعية معقدة في بلدانهم، إنما الأجدر إلفات نظر الاخوة في الدين والمذهب في كل مكان من هذا العالم بالتوقف ملياً لتدبّر أمر هذه الأقليات المضطهدة والمغلوب على أمرها لمساعدتها في توفير أقصى درجات الأمن لها من خلال الضغط على الحكومات لاتخاذ ما يلزم من إجراءات أمنية، وعلى المستوى الديني؛ التحرك علمائياً ومؤسساتياً لخلق رأي عام في البلاد الإسلامية ضد ظاهرة التكفير لسحب الشرعية من هذه الجماعات على اقل التقادير.
على غرار الاحداث السياسية، عندما نجد تحرك المبعوثين للتفاوض وتقريب وجهات النظر بين المتخاصمين او المتحاربين لإيجاد حل سياسي، ثم تطويق نار الحرب، من الجدير والواجب أن نشهد تحركات مكوكية بين البلاد الإسلامية، ومنها باكستان لمندوبين من مراجع دين ومؤسسات ثقافية ودينية مثل الحوزات العلمية، ومن باحثين و اكاديميين وشخصيات فاعلة ومؤثرة للبحث في أسباب وقوع مثل هذه المجازر، والحد منها، وعدم تكرارها.
إن من حمل البنادق الرشاشة في باكستان و أمطر المدنيين بالرصاص وهم على متن الحافلات على الطريق بين مدينة بارتشينار الى بيشاور، و قتل النساء والأطفال، لم يرتكبوا هذا بدوافع شخصية، إنما هم مدفوعين من جهات وجماعات تغذيهم بالفكر التكفيري قبل تغذيتهم بالسلاح والمال، فأمام هكذا مشروع دموي، ما الذي يجب فعله؟
بيانات التنديد والاستنكار لها صبغة إعلامية بمفعول مؤقت ينتهي مع ورود اخبار وتقارير جديدة، وهو جيد ومطلوب لاشك، إنما المطلوب ايضاً؛ التحرك بجدّ وقوة باتجاه مناطق النزاع، وعدم تركها تشتعل وتحرق الأبرياء بصمت.