تعرَّف الإدارة بمفهومها الواضح والبسيط، كيفية إدارة شيء ما، يمكن أن يكون مشروع عمل معين، أو إدارة مدرسة، أو حتى إدارة عائلة تتكون من عدة أشخاص، بل يذهب عدد من العلماء المختصين إلى أهمية أن ينجح الفرد في إدارة نفسه، وهذا يعني حتى الإنسان مطلوب منه أن يدير نفسه بطريقة مدروسة وصحيحة، وهذا الطرح يحيلنا إلى السؤال التالي:
كيف يدير الإنسان نفسه بنجاح؟
وهل عليه أن حازما في هذه المسألة؟ أم أنه من الأفضل أن يكون على قدر من اللين واللطف وعدم اللجوء إلى أساليب العنف مع الذات أو خارجها؟
هناك من يؤكد من العلماء والمختصين، أن الأسلوب الإداري الناجع للنفس، هو الذي يجمع بين الحزم و العنف، وهذا يعني أن على الإنسان أن لا يكون حازما بدرجة تامة، فيُلحق الضرر بنفسه في هذه الحالة، وأن لا يكون ليّنا إلى درجة الانفلات، فتكون إدارة النفس في هذه الحالة غير صحيحة ولا تجدي نفعا، ولا يصل الإنسان إلى الأهداف المطلوبة في حال أخفق في إدارة نفسه، لذا عليه المزاوجة بين الأسلوبين في إدارة النفس.
في علم الإدارة لا يمكن أن يغيب شرط الحزم عن الأعمال الإدارية المختلفة، وفي قضية إدارة النفس، لابد أن يكون الإنسان حازما في التعامل مع نفسه، فالمعروف أن هناك نفس تجر صاحبها إلى ما لا يُحمَد عقباه، وتوجد النفوس الأمارة بالسوء والتي ذكرها القرآن الكريم، ومثل هذه النفوس لكي ينجح صاحبها في إدارتها عليه أن يكون حازما وبلا تردد.
إدارة النفس تعود على الإنسان بفوائد كبيرة، فمثلا إن الإنسان الذي يدير نفسه بنجاح تجده ناجحا في كل شيء
ولكن هذا التعامل الحازم لا يعني أبدا أن يتم حرمان النفس من كل شيء، فالنفوس لها متطلبات معروفة، لا يمكن أن نحرمها منها، والشارع المقدس أوضح هذه الأحكام بوضوح وبسَّطها للجميع، بحيث يعرف كل الناس الذين يتعلمون ويطلعون على المسائل الشرعية كيف يمكن ضمان حقوق النفس وعدم حرمانها مما هو حلال.
الحزم الذي تم ذكره يتم استخدامه مع النفوس الأمارة بالسوء فقط، وهي النفوس التي يسيطر عليها الشيطان، وليس عقل الإنسان، وشتان ما بين العقل وما بين الشيطان، لذلك دائما ما يكون هناك صراع بين العقل والشيطان، وهناك نوع من التهاون بين النفس والشيطان، لاسيما عندما يوسوس لها ويستميلها لما يريد، فيذهب بها نحو الانحراف.
من هنا يجب أن تكون إدارة النفس حازمة من هذه الناحية، فإذا تهاون الإنسان مع نفسه في قضية معينة، بحجة أنها مهمة، أو حتمية، أو أنه يعملها لمرة واحدة ثم يمنع نفسه عنها، هذه الأمور غير مقبولة وليست صحيحة، لأن من يرتكب الخطأ أول مرة من الممكن أن يكرر ذلك مرة ثانية وثالثة وأخرى، وفي هذه الحالة قد يستمر مسلسل الأخطاء ولا يتوقف.
مبدأ إدارة النفس يقوم على رفض الخطأ وارتكاب الذنب بشكل حازم ومباشر ولا لين في هذا الجانب، لأن اللين لا يعني التساهل في القضايا الشرعية المعروفة، فالحرام حرام، والحلال حلال، وهنا حدود واضحة ومعروفة بين الجانبين، خاصة أن الشارع المقدس يبيّن هذه الفروقات بشكل لا يقبل اللبس أو الشك أو التداخل بين الحلال والحرام.
الأمر الآخر المهم، إدارة النفس تعود على الإنسان بفوائد كبيرة، فمثلا إن الإنسان الذي يدير نفسه بنجاح تجده ناجحا في كل شيء، ليس في إدارة نفسه وحدها، وإنما يدير عائلته بنجاح، ويدير عمله بنجاح أيضا، وإذا كان مديرا لمؤسسة أو مدرسة أو دائرة أو مشروع عمل، فإنه يؤدي مهمته الإدارية بنجاح، لهذا ينعكس النجاح الإداري للإنسان على عموم حياته.
التعامل الحازم لا يعني أبدا أن يتم حرمان النفس من كل شيء، فالنفوس لها متطلبات معروفة، لا يمكن أن نحرمها منها، والشارع المقدس أوضح هذه الأحكام بوضوح وبسَّطها للجميع
وفي حال يفشل في إدارة النفس لأي سبب كان، فإن المحصلة والنتيجة النهائية هي فشله في الحياة، لذا يظن بعض الناس الذين يرتكبون الحرام (يسرقون أو يختلسون أو سوى ذلك)، بأنهم بحصولهم على الأموال فإنهم أناس ناجحون، ولكن الأعمال بنهاياتها، إذ أن هؤلاء سوف ينتهون إلى الفضيحة والفقر بسبب انحرافهم، وهذا الانحراف سببه النفس.
والسبب الأول هو الإنسان الذي يتهاون مع نفسه ولا يتعامل معها بحزم، ولا يديرها وفق الإدارة التي تضع حدّاً لانحرافات النفس، لذا يجب إدارة الناس باللين والحزم معا، ولكن لابد أن تكون هذه الإدارة ضمن أحكام الله ــ تعالى ــ والتي أوضحتها الشريعة وبيّنتها لكل إنسان ويمكنه الاطلاع عليها وفهمها وتطبيقها ليدير نفسه بنجاح وأمان.