أبتدئ بالحب ولا أنتهي، وأنثر قلبي ورداً وعطاء لن ينضب، ليس من طبيعة أصالتي أن أضطرب أو أهوي، أنا خارجة من قفص الإقصاء والإلغاء والتحجر الآدمي، أحاول أن أجري الى ما لانهاية مثل نهر، وأرفع رأسي وأشمخ مثل مئذنة وأبذل مثل سنبلة.
بالأمس كان الظلام يطبق على نفوسنا وعقولنا فينطفئ الكلام، كان الأعزاء يرحلون بالجملة بلا إذن أو جواز يتسابقون نحو الموت تارة، ونحو الغربة تارة أخرى علّهم يكتشفون إنسانيتهم وحضورهم على تربة الله ليس سوى الظلام والإحباط والقنوط، ولكن كان فرج الله أكبر من أن نمسي كالدود لتسحقنا نوازعهم التي باركها الشيطان.
تركت الماضي ودخلت الحاضر الذي أمّلنا بالنجوم وبالفرح الأبدي، أنا داخلة لجنّتي بأجنحة خضراء لا تعرف الكلل أو الملل زينبية أنا.
طويت صفحة من صفحات الضيم وفتحت دروبا متألقة بألوان الزهور ومحصنة بقلوب تتوحد بالايمان والمحبة من أجل وطن هذا العزيز الذي طالما أنشدنا له وبذلنا مهجنا من أجل أن يبقى بهياً شامخاً.
لا موت يخنق فضاءاتنا أو يؤرق تطلعاتنا، أو يوقف أنهارنا عن الجريان ها هي النفوس تمتد كالأنهار وتمتد الرؤى مثل سرب حمام نحو أفق غض متفجر بالألوان، فتنشأ عوالم متشحة بالحب والإيمان والإصرار اللامتناهي، هكذا تبزغ شموس عقولنا وتتبرعم بذور قلوبنا التي حضنت كل العالم من أجل يوم جديد بلا صحراء وبلا دخان وبلا ظلام، نشدّ الرحال لنطير نحو سماء الحب من على شرفات وطن تعشقه السماوات والأرض.
هكذا نولد في كلّ لحظة ونسعى ونكبر ليكبر وطن فتشرق حياة كالنعيم، أحبك يا وطني ولحبك أولد تكرارا ولمجدك أسعى ولزهوك أحيا وأتجدد مثل الأشجار زينبية أنا.
لم تزل المئذنة تبتهل وهي تحلق للسماء، لم تزل النخلة باسقةً كلما مرَّ ربيعٌ شمخت وانتعشت لتنشر ظلالها علينا، وتقذف على رؤوسنا ذهب التمر كالمطر، إنها كريمة لأقصى الصبر وحنونة كقلب أمٍّ، هكذا تستريح نفوسنا تحت هيبتها، نحضنها فتحضننا وهي ترسم على آفاق أحلامنا لوحات من الارتقاء والشموخ والصلابة والصبر هكذا أكون زينبية أنا حد الرمق الأخير.